قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن الإمارات توفر الصفقات الضرورية للهجوم الروسي على أوكرانيا، في حين أصبحت دبي ملاذاً للأوليغارشيين الروس المستهدفين بالعقوبات الغربية.
جاء ذلك في مقال تحت عنوان: "الإمارات في المعسكر الروسي ضد أوكرانيا"، للأستاذ الجامعي الفرنسي، جان بيير فيليو، نشرته الصحيفة.
وذكّر الكاتب بما قال إنه امتناع الإمارات عن التصويت، في الخامس والعشرين من فبراير 2022، على مشروع القرار الغربي الذي يدعو إلى "الانسحاب الفوري" للقوات الروسية من أوكرانيا، والذي صوّت عليه مجلس الأمن الدولي بعد يوم من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. لكنها عادت عقب ذلك بخمسة أيام لتصوّت هذه المرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار "يطالب روسيا بالوقف الفوري لاستخدام القوة ضد أوكرانيا"، وذلك تحت الضغوط الأمريكية. لكن الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، لم يغير "حياده المزعوم" حيال الأزمة الأوكرانية، وفقاً للكاتب.
التسليح والغسيل
واعتبر الأستاذ الجامعي الفرنسي، في مقاله، أنه تم تبديد أي شكوك باقية حول "حياد" الإمارات في شهر فبراير خلال معرض الأسلحة الدولي "آيدكس"، الذي أقيم في أبوظبي، في الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي قرر الكرملين أن يعرض فيه عربات مدرعة وطائرات هليكوبتر قتالية وصواريخ مضادة للطائرات، وجميعها تم اختبارها في أوكرانيا ومخصصة للتصدير.
وقد رحب نائب رئيس الوزراء الروسي، دينيس مانتوروف، الذي افتتح الجناح الروسي، بحقيقة أن الإمارات أصبحت الشريك الرائد لبلاده في العالم العربي، حيث "زادت التبادلات التجارية بين البلدين في عام 2022 بنسبة 68 في المئة".
ويضيف الكاتب أنه في الوقت نفسه، يمنح مصرف أبوظبي المركزي ترخيصا للبنك الروسي MTS (ألغت الإمارات ترخيصه يوم الجمعة بسبب العقوبات) على أساس أنه "يساعد في دعم التجارة المشروعة بين البلدين ويخدم الجالية الروسية في الإمارات" كما يقول الكاتب، مضيفا أن هذه "الجالية الروسية" كانت نشطة للغاية بالفعل في دبي قبل غزو أوكرانيا، ولا سيما حول الشبكات المرتبطة برمضان قاديروف، المستبد الذي وضعه فلاديمير بوتين على رأس الشيشان. لكن الأوليغارشيين الروس لجأوا بشكل كبير إلى الإمارات هربا من العقوبات التي فرضت عليهم في أوروبا والولايات المتحدة.
استخدم نحو مليوني مسافر روسي مطار دبي في عام 2022، أي أكثر من الضعف مقارنة بالعام السابق له. أما بالنسبة لرحلات الطائرات الخاصة المغادرة من روسيا، فقد كانت دبي وجهتها أكثر بخمس مرات في غضون ثلاثة أشهر من غزو أوكرانيا. كما اختار مالكو مئات الطائرات الخاصة الروسية أن يتخذوا مقرا لهم في دبي هربا من العقوبات الغربية. وعزز هذا التدفق للثروات الروسية سوق العقارات المزدهرة بالفعل في دبي، والتي شهدت زيادة في معاملاتها بنسبة 80 في المئة عام 2022.
مخاوف غربية
مضى جان بيير فيليو إلى القول إن الولايات المتحدة مقتنعة بأن الإمارات تسهّل غسل الأموال من الكيانات والأفراد الروس المرتبطين بغزو أوكرانيا، مشيراً إلى أنه بعد استهداف الشركات الإماراتية العاملة في روسيا، أدرج البيت الأبيض صراحة بنك MTS وفرعه في أبو ظبي في قائمة العقوبات الأخيرة. وقامت مجموعة العمل المالي (FATF) التي تضم خبراء من 36 دولة لمكافحة غسيل الأموال، بإضافة الإمارات إلى "القائمة الرمادية" للبلدان التي وُضعت تحت "المراقبة المعززة" بسبب "إخفاقاتها الاستراتيجية" في غسيل أموال.
بالإضافة إلى ذلك -يتابع الأستاذ الجامعي الفرنسي- فإن الطفرة في التجارة الثنائية بين الإمارات وروسيا، ترجع إلى حد كبير إلى إعادة تصدير أبوظبي للبضائع التي لم تعد موسكو قادرة على الحصول عليها مباشرة في السوق الدولية. هذا التحايل على العقوبات واضح بشكل خاص فيما يتعلق بالمعدات الإلكترونية، التي تضاعف بيعها من قبل الإمارات لروسيا، بمقدار 15 ضعفا في عام 2022. وبنفس الروح، باعت أبو ظبي أكثر من 150 طائرة بدون طيار إلى موسكو في عام 2022، يوضح الكاتب.
واعتبر جان بيير فيليو أن "التواطؤ" الإماراتي أصبح مشكلة كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، موضحاً أن "الحياد" الذي أبداه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أدى بالفعل إلى تحويل دبي لمركز رئيسي للتجارة والتمويل لنظام بوتين، مما خفف بشكل كبير من تأثير العقوبات الغربية عليه.
ومع ذلك، فإن وسائل الضغط كبيرة على دولة الإمارات، التي تشكل صورتها الدولية بعداً أساسياً من أبعاد جاذبيتها. لذلك، انتهى الأمر بالسلطات الإماراتية، بعد أن أنكرت لسنوات عديدة وجود مهربي مخدرات سيئي السمعة على أراضيها، بإبرام اتفاقيات تسليم مع دول المنشأ لهؤلاء المجرمين وترحيلهم في هذا الإطار.
وأنهى الكاتب مقاله بالقول إنه سيكون لنهاية المنفى الذهبي للحكام الروس في دبي تأثير كبير على الكرملين ودوائر ولائه المختلفة. ومع ذلك، يجب أن تظهر مبادرة منسقة في هذا الاتجاه. حتى ذلك الحين، سيستمر الشرق الأوسط بشكل عام، والإمارات بشكل خاص، في توفير الموارد الأساسية للرئيس بوتين في حربه العدوانية ضد أوكرانيا، وفقا لما نقلته صحيفة "القدس العربي".