أكد مركز حقوقي، اليوم الخميس، أن الأحكام التي أصدرها أبوظبي يوم 10 يوليو الماضي بالسجن المؤبد بحق 43 من معتقلي الرأي الإماراتيين تمثل صدمة كبيرة للمجتمع الحقوقي.
جاء ذلك في مقال رأي لمركز مناصرة معتقلي الإمارات، نشره على موقعه الرسمي.
وقال المركز: "في عالم لا يزال يقدّر الحرية ويعتبرها حجر الأساس لأي مجتمع متحضر، هناك من يدفع ضريبة الكلمة، ضريبة تتجاوز الحدود المعروفة للضرائب، لتصل إلى قيد الروح واغتيال الحرية. 43 إماراتيًا، كل واحد منهم حمل فكرة أو رأيًا أراد التعبير عنه، ووجد نفسه في النهاية محكومًا بالسجن المؤبد، لا لشيء سوى لأن كلمته كانت سلاحه الوحيد في مواجهة واقع سياسي معقد ومظلم".
وأشار إلى أن "ضريبة الكلمة التي دفعها 43 مواطناً إماراتياً، وحُكم عليهم بالسجن المؤبد (25 عاماً) بسبب تعبيرهم عن آرائهم، تمثل سابقة في تاريخ الإمارات، إذ لم يسبق للسلطات الإماراتية أن أصدرت أحكامًا بالسجن المؤبد في قضايا تتصل بحرية التعبير، فكيف ونحن نتحدث عن الحكم عن 43 شخصاً".
وقال المركز إن الحكم على 43 مواطناً إماراتياً بالسجن المؤبد ليس مجرد سابقة في تاريخ الإمارات فقط، بل هو حكم صادم بكل المقاييس. مجموع هذه الأحكام يصل إلى 1075 عامًا من السجن، وهو رقم يعكس حجم القمع والتشدد الذي تمارسه السلطات ضد من يعبرون عن آرائهم. فأن يُحكم على مجموعة بهذا العدد الكبير بالسجن المؤبد لمجرد تعبيرهم عن آرائهم هو بمثابة صدمة لا يمكن تصديقها.
وأضاف: "هذا الحكم الصادم يجسد تدهورًا غير مسبوق في مجال حقوق الإنسان في الإمارات، ويؤكد أن الكلمة الحرة يمكن أن تكون مكلفة للغاية لحدود لا يمكن تصورها. 1075 عامًا من السجن هي ليست مجرد سنوات تمر على الورق، بل هي حياة تُسلب من هؤلاء الأشخاص، وعائلات تُحطم، وأحلام تُدفن تحت أعباء سجن لا نهاية له. هذه الأحكام تجسد قسوة لا متناهية وتوجهًا مرعبًا نحو تكميم الأفواه وقمع الأصوات المعارضة بأي ثمن".
ربما يعج الأدب العربي بقصص المعاناة والنضال من أجل الحرية، وكثير من الأدباء والشعراء عرفوا هذا النوع من الاضطهاد. لكن ما يواجهه هؤلاء الـ 43 ليس مجرد سجنٍ جسدي، بل سجنٌ للروح وللعقل. يتمثل هذا السجن في واقع يرفض التعددية الفكرية ويخشى من الأصوات. هؤلاء المسجونون ليسوا فقط ضحايا لقوانين قمعية، بل هم شهداء للكلمة الحرة، التي تقف في مواجهة الصمت الذي يُفرض على المجتمعات من قبل الأنظمة القمعية.
ربما يكون من السهل على البعض تجاهل قصص هؤلاء الرجال، وأن يروهم فقط كأرقام في سجلات، أو كحالات في تقارير حقوق الإنسان. لكن الحقيقة هي أن كل واحد منهم يمثل عالمًا من الآمال والطموحات، ولكل منهم قصة مليئة بالأحلام التي أُجهضت والآلام التي زُرعت.
تسير الحياة خارج أسوار السجن، لكن بالنسبة لهؤلاء، الحياة متوقفة. كل يوم يمر عليهم هو تذكير جديد بأنهم يدفعون ثمنًا لا ينبغي لأحد أن يدفعه. عائلاتهم، أصدقاؤهم، وزملاؤهم يشاركونهم هذا الثقل. الجميع ينتظر لحظة العدالة، لحظة الإفراج عنهم، لكن الزمن يمر وهم لا يزالون خلف القضبان.
في تاريخ الإنسانية، لم تستطع أي سلطة أن تسكت صوت الحق إلى الأبد. قد تنجح لفترة، قد تسجن وتخيف، لكنها في النهاية تنهزم أمام إرادة الناس وأمام قوة الكلمة. الكلمة التي كانت وما زالت أقوى من أي سلاح، وأشد من أي عقاب.
لا يمكن للكلمة أن تُسجن، لأنها طائر يحلق في فضاء الحرية. لكنها في الإمارات، أُلبست قيودًا وصُنعت لها جدران. كيف يمكن لعقوبة السجن المؤبد أن تكون ردًا على رأي أو فكرة؟! كيف يمكن للعقاب أن يكون الحل الوحيد للآراء التي تُعتبر مخالفة؟ السجن المؤبد هو قتل بطيء للروح، وهو أيضًا دليل على فشل المجتمع في التعامل مع الأفكار المختلفة.
هؤلاء الرجال الذين تم الحكم عليهم بالسجن المؤبد هم ضحايا لنظام يرى في الفكر المستقل خطرًا يهدد وجوده. هم ضحايا لبيئة سياسية ترفض النقد ولا تتحمل المعارضة. إن محاكمتهم لم تكن سوى وسيلة لفرض السيطرة، ولإرسال رسالة واضحة لكل من يجرؤ على التفكير خارج الصندوق.
ما يحدث في الإمارات هو جرس إنذار للعالم أجمع. عندما تُسجن الكلمة، يُسجن معها جزء من إنسانيتنا. عندما يُحكم على الرجال بالسجن المؤبد لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم، فإن ذلك يعني أن العدالة أصبحت مشوهة، وأن الحرية باتت مجرد كلمة فارغة من محتواها.
ضريبة الكلمة في الإمارات لم تكن مجرد أحكام قضائية، بل هي انعكاس لواقع مظلم يسود فيه القمع ويُقتل فيه الفكر. لكن الكلمة ستظل حرة، وستظل قادرة على كسر كل القيود مهما كانت قوية. هؤلاء الرجال الـ 43 قد يكونون في السجن الآن، لكن أفكارهم وأصواتهم ستظل تتردد في أرجاء العالم، وذلك لأن الكلمة الحرة لا تموت، حتى لو حاولت الأنظمة القمعية دفنها في الزنازين.