يبدو أن تصاعد الدور الإيراني في الآونة الأخيرة وتحالفه مع الولايات المتحدة الأمريكية، قد أدى لحدوث تحول في السياسة الخارجية السعودية، التي بدأت تشكو مما تعتبره مسار واشنطن الخاطئ تجاه إيران، وتعبيرها على لسان الأمير تركي الفيصل في كلمته أمام المؤتمر الثاني والعشرين لصناع السياسات العرب والأمريكيين عن استيائها من عدم اتخاذ إجراءات حاسمة مع إيران.
وما تخشاه السعودية ومعها دول مجلس التعاون( فيما عدا عُمان) ليس صواريخ إيران ولا زوارقها ولا أسلحتها النووية، بقدر خوفها من جيشها التقليدي الذي يعد الأضخم عددا في المنطقة بعد سقوط عراق صدام حسين، مما يمثل لها تهديدا دائما، لاسيما في ظل وجود أقلية شيعية كبرى في المناطق النفطية التي تمثل عصب الاقتصاد السعودي، والتي تعد عماد النظام الملكي الحاكم في البلاد.
وقد ازداد الغضب السعودي بعد عقد صفقة أمريكية إيرانية بخصوص أفغانستان، وهو ما من شأنه أن يمهد الطريق لإيران للعب دور غير مسبوق في المنطقة كدولة ليست مارقة أو معزولة، ولكن كدولة أعادت اندماجها بالمجتمع الدولي، ولذلك تستطيع أن تمارس قوتها بسهولة نسبية عما مضى بالتنسيق مع القوى الغربية، وبخاصة على حدودها الشرقية في أفغانستان وباكستان حيث النفوذ السعودي القوي هناك، بل تعتقد إيران أن تجدد الهجمات التي يشنها إسلاميون سنة في المحافظة الجنوبية الغربية المتاخمة للحدود الباكستانية والأفغانية، هي من عمل المخابرات السعودية التي أعادت نشاطها بعد التقارب الإيراني والأمريكي.
وكما هو معروف لدى إيران نفوذ كبير على أفغانستان، حيث نجحت في تدعيم حكم كرزاي، في نفس الوقت الذي طورت فيه علاقاتها مع عناصر طالبان، وحسب الخبراء يتوقع أن ينسق الأمريكيون والإيرانيون معا من أجل احتواء المليشيات السنية في أفغانستان لتحقيق مصالح الطرفين.
كما يتوقع المحللون الاستراتيجيون الأمريكيون أن تتدخل السعودية من أجل ملء الفراغ الناشئ عن انسحاب باكستان من النفوذ على أفغانستان، من أجل احتواء الصعود الإيراني.
ومما زاد من الغضب السعودي وقف الولايات المتحدة دعم المقاتلين السوريين من أجل تجنب إغضاب إيران في المحادثات السرية بينهما التي جرت في عمان، ورؤيتهم نجاح إيران في كسر العزلة الإقليمية بعدما تأثرت بأدبيات روحاني عدد من دول الخليج الأخرى، وكذلك تركيا التي عرضت شراكة استراتيجية مع إيران في مجالات النفط ونقله عبر أنابيب تركية إلى أوربا، وما سيتلوه من فرص تجارية كبيرة مع دول الخليج وتركيا اذا ما تم حل قضية النووي الإيراني.
وتخشى السعودية من استغلال ايران للأقلية الشيعية الكبيرة الموجودة في المنطقة الشرقية التي تحتوي على معظم الآبار النفطية في المملكة، لزعزعة استقرار المملكة، حيث تقع شركة أرامكو السعودية والتي تعد العمود الفقري لاقتصاد المملكة في تلك المنطقة، ويشكل الشيعة أكثر من نصف عدد العمالة فيها.
لذلك فإن أصداء الصراع الطائفي في المنطقة يمكن أن ينتقل بسهولة إلى المملكة التي تقع بين عدة نقاط تماس سواء في الجنوب العراقي الشيعي أو في الحوثية اليمنية أو في البحرين أو في سوريا وغيرها، وقد تصاعدت حدة الحرب الإعلامية السنية الشيعية مؤخرا، ومع كسر العزلة الدولية عن ايران فمن المتوقع أن تكون حقوق الأقليات الشيعية في المنطقة الشرقية السعودية على رأس أولويات الدولة الإيرانية، وربما تكون على أجندة أي مفاوضات قادمة من أجل تطبيع العلاقات مع إيران بعد سحب الولايات المتحدة غطاءها الأمني والسياسي للدول العربية، مما سيزيد من وطأة المفاوض الإيراني، ولعبه بمفاتيح المليشيات المسلحة التي يدعمها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربما يتم إنشاء بعضها قريبا في المملكة.
لذا تشعر المملكة بالقلق الكبير من الأحداث في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان – ما وصفه العاهل الأردني سابقا بالهلال الشيعي – وتداعيات التدخل الإيراني هناك، فلأول مرة أصبح لإيران قوات عسكرية بأعداد كبيرة نسبيا في تلك البلدان، مما دفع السعودية لبناء جدار أمني وحاجز بطول حدودها مع العراق، واعتبارها الحرب في سورية كابوسًا أفرز كارثة اللاجئين، وتدفق المقاتلين السنة وتحولهم إلى جهاديين، بشكل أدى لتعزيز وجود القاعدة في العراق، وهو ما قد يؤدي لتقوية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومضاعفة التهديدات على المملكة.
غير أن هذه الإجراءات الوقائية التي يلجأ إليها النظام السعودي لا تكفي لتوفير الحماية والأمن والاستقرار للشعب السعودي، خاصة وأنه يدخل نفسه في معارك جانبيه مع شعوب دول الربيع العربي، بدلا من التركيز على عمل تحالفات قوية تساعده في مواجهة الحلف الأمريكي الإيراني في المستقبل.