تتعرض أبوظبي بسبب سياساتها الخاطئة لانتقادات متزايدة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب مزاعم تورّطها في الحرب الأهلية في السودان، مع تصاعد الدعوات إلى مقاطعة جوهرتها الأبرز: المركز المالي والترفيهي في دبي.

وقد أنكرت أبوظبي مرارًا دعمها لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، رغم الاتهامات الصادرة عن الحكومة السودانية وخبراء الأمم المتحدة ومنظمات دولية.

وتدفّقت المنشورات التي تلوم أبوظبي على "تمويل الإبادة الجماعية" و "قتل السودانيين" خلال الأسابيع التي أعقبت سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع، وسط تقارير عن ارتكاب فظائع واسعة النطاق هناك.

ودعمت شخصيات عامة، من بينهم الناشطة البيئية غريتا تونبرغ، حملة يقول محللون إنها تهدد بتشويه سمعة بلد سعى طويلًا إلى تلميع صورته الخارجية لجذب المهنيين الأجانب.

تقارير عن فظائع واسعة

وظهرت تقارير عن عمليات قتل جماعي واغتصاب وانتهاكات أخرى منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور أواخر أكتوبر، في أحدث مشاهد الرعب خلال أكثر من عامين من الحرب.

وقال كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس "قد تكون الحملة مُضرّة بالعلامة الإماراتية، لأن الوضع في السودان اخترق الوعي العام على نطاق أوسع" وأضاف "قد تتضرّر سمعة دبي على وجه الخصوص، باعتبارها مركز قوة ناعمة"

"حبيبي قاطع دبي"

يدفع الناشطون بعبارة "حبيبي قاطع دبي"، في إحالة ساخرة إلى حملة "حبيبي تعال دبي" الشهيرة التي تروّج للمدينة، ويمثل ذلك استهدافًا مباشرًا للمدينة الأبرز في الإمارات، التي أصبحت مرادفة للمؤثرين الباذخين والثراء والنجاح.

وشارك غريتا تونبرغ ومغني الراب ماكلِمور، اللذان يتجاوز مجموع متابعيهما 20 مليونًا، منشورًا بعنوان "حبيبي قاطع دبي"، واصفَين قوات الدعم السريع بأنها "ذراع الإمارات في السودان" وانضم آخرون إلى الحملة، مع تصاعد الدعوات إلى مقاطعة الدولة بأكملها.

واتهم مستخدم منصة اكس أنيس منصور الإمارات بأنها "الممول الرئيسي للإبادة الجماعية في السودان"، فيما حمّلتها مستخدمة أخرى تُدعى بنت خليفة مسؤولية إطالة "المأساة السودانية تحت غطاء المساعدات الإنسانية".

وعلّقت وزارة خارجية الإماراتية لوكالة فرانس برس على الحملة بالقول إنها لاحظت "زيادة واضحة في الاتهامات الباطلة والدعاية المتعمدة مما يسمى بسلطة بورتسودان" في إشارة إلى الحكومة السودانية الموالية للجيش، كما دانت الوزارة طرفي الصراع.

تداعيات غير واضحة حتى الآن

ويتفق المحللون على أنه من المبكر تحديد ما إذا كانت الأضرار ستتجاوز حدود السمعة، نظرًا لضعف الضغوط الدولية حتى الآن.

وقال عماد الدين بادي، الباحث في مبادرة "الغلوبال إنشياتيف" لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود:  "الآن هم يواجهون ربما بعض الارتداد السلبي على مستوى السمعة، وهو ما يميلون إلى تجنبه".

وركّز ناشطون، بينهم تونبرغ، على الحرب في غزة طوال العامين الماضيين، لكن وقف إطلاق النار في القطاع تزامن مع سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع.

وكان رد الفعل السياسي محدودًا قبل سقوط المدينة مع مطالبة بعض المشرعين الأمريكيين بوقف مبيعات الأسلحة للإمارات.

وشدد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في الأيام الأخيرة على أن "هناك دولة - ونعرف من هي - يجب أن تتوقف عن إرسال الأسلحة إلى قوات الدعم السريع"، لكنه رفض تسمية الإمارات مباشرة.

وقال بادي "على مستوى التداعيات السياسية الأوسع، لم أرَ شيئًا يُذكر، ولم أر أيضًا زخمًا لمراجعة صادرات الأسلحة".

ردود داعمة لأبوظبي

وبسبب موجة الانتقادات، لجأ بعض الموالين لأبوظبي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وقال بادي إن السلطات استخدمت كذلك خطب المساجد لحثّ الناس على تجاهل المنشورات المتداولة.

لكن أستاذ العلوم السياسية المثير للجدل والمعروف بآراء المتناقضة عبد الخالق عبد الله أقرّ بأن مواكبة الحملة "ستكون صعبة" وأضاف "أحيانًا الأفضل هو تجاهلها".

وفي موازاة ذلك، كثّفت أبوظبي خلال الأسابيع الماضية من تنديدها بالعنف في السودان، إذ أعربت وزارة الخارجية عن أسفها لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينما انتقد مستشار رئيس الدولة أنور قرقاش الفظائع المرتكبة في الفاشر، كما ندد بانتشار "الأخبار الكاذبة" بشأن مزاعم تورّط الإمارات في السودان.

وقال أولريخسن إن أبوظبي قد تغيّر سياستها أو نبرتها بشأن السودان إذا تزايد الضغط السياسي عليها، لكن هذا "سيجري على الأرجح بهدوء، ويُعبَّر عنه عبر الإشارات والرسائل، لا من خلال الإقرار بأن السياسة كانت خاطئة أو تحتاج إلى تعديل".