فهد عامر الأحمدي
صدمة المستقبل كتاب نشره عالم الاجتماع ألفن تفلر عام 1971 لفهم المتغيرات التي سيعيشها البشر (بعد أربعين عاماً) في أيامنا هذه.. وهو كتاب مترجم للعربية صدرت طبعته الأولى عام 1974 ويركز على المتغيرات التي ستطال الطب والتكنولوجيا والسياسة والتعليم وإفرازات الصدمة والارتباك التي ستطال الانسان العادي حين يفاجأ بالمتغيرات السريعة من حوله!
والكتاب من هذه الناحية ليس الوحيد من نوعه؛ ولكن أهميته تكمن في انه أول كتاب من هذا النوع، وأنه (بسبب تأليفه قبل 40 عاما) يسمح لنا بمقارنة ما جاء فيه مع ما نعيشه بالفعل هذه الأيام!!
وقبل التوسع أكثر أشير الى أن الفكرة ذاتها أسست لعلم جديد هو "استشراف المستقبل" الذي أصبح علما يدرس في الجامعات. وقد ظهر أولا في الولايات المتحدة في كلية الدراسات الاجتماعية بجامعة نيويورك قبل أن يصبح تخصصا مستقلا في عدد كبير من الجامعات. ومن الوسائل المعينة على ذلك جداول الاحتمالات والمتتاليات الرياضية، واستطلاع آراء "الأجيال القادمة" ورصد التوجهات الصاعدة والتيارات الجديدة.. كما يعتمد على تغذية الحاسبات العملاقة بالبيانات الأساسية والاهتمام بالأبحاث الميدانية ودراسة المؤثرات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية التي ستشكل حياة وآراء الناس بعد جيل أو جيلين من (الآن)!!
وبالطبع لكل مجتمع ومجال طبيعته ووضعه الخاص.. فالتنبؤ بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلد ما، يتطلب وضع (خطة عمل) تتناسب وطبيعة المجتمع فيه. ففيما يخص المجتمع الامريكي مثلا استطاعت كلية "اليس لويد" في ولاية كنتاكي (قبل ثلاثين عاما) وضع تصور للمشاكل الأسرية التي تنتظر الأسر هذه الأيام. كما استطاعت جامعة "كورنيل" قبل عقدين رسم صورة صادقة للمستقبل الاجتماعي والتأثير السياسي للأقليات العرقية في أمريكا.. وبالطبع اهتمت دوائر المخابرات الأمريكية بهذه المناهج للتكهن بمجرى الأحداث حول العالم. كما شاركها في ذلك الأحزاب السياسية والشركات التي تريد معرفة اتجاهات الاستهلاك في المستقبل..
ومن المؤسف عدم وجود كليات أو مؤسسات خاصة في الوطن العربي تهتم بهذا الجانب؛ فلا توجد مثلا رؤية واضحة للنمو الاققتصادي والصناعي في الخمسين عاما القادمة. كما لا توجد استطلاعات لآراء الطلاب (ممن سيقودون البلاد بعد عشرين او ثلاثين عاما) حول فهمهم ونظرتهم للتطورات المستقبلية. كما لا توجد محاولات جادة لفهم تأثير الانفجار السكاني والمتغيرات الاسرية والاجتماعية التي سنصل اليها بعد عشرين عاما من الآن.. وعدم وجود محاولات من هذا النوع هو ما يجعلنا (نفاجأ) ونصاب بالصدمة حين تنفجر مشكلة اجتماعية خطيرة (كالبطالة أو التطرف مثلا) فتضيع جهودنا في محاولة ترقيع ما يستجد ولملمة ما تبعثر!
والمضحك المبكي ان عدم اهتمامنا بالدراسات المستقبلية هو ما يجعل معظم النبوءات حول مشاكلنا في المستقبل تأتي من (الخارج)؛ فكم مرة سمعنا عن دراسة جديدة بخصوص مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي، أو المستقبل الطائفي في العراق وسورية، أو الصراع على المياه سيكون سبب الحروب في الشرق الأوسط مستقبلا.. جميعها للأسف دراسات مستقبلية ظهرت من المعاهد الغربية المتخصصة أو التابعة للأمم المتحدة في حين يقتصر دورنا على ترجمتها (وما خفي كان أعظم)!
... والله إني لأعجب لأمة حتى مستقبلها يعرفه الآخرون أفضل منها.