علي العمودي
للمرة الثانية في أقل من شهرين، يحرج مورد أفلام إدارة الرقابة على المحتوى الإعلامي في المجلس الوطني للإعلام، ويتجاوز دورها.
كانت المرة الأولى مع واقعة فيلم «ذئب وول ستريت»، عندما تجرأ المورد بعرضه في دور السينما بالدولة، وقد بتر منه نحو أربعين دقيقة من فترة عرض الفيلم، الذي تزيد مدته على الساعتين. ولم يكتفِ أصحاب دور العرض بهذا التجاوز، بل قاموا بوضع لافتات فيها تبرر عرض الفيلم مبتوراً بتلك الصورة المخلة لسياقه البصري والدرامي بأنه جاء لـ«أسباب خارجة عن إرادتهم» في إيحاء للجمهور بأن إدارة الرقابة هي المسؤولة. وقد سارعت الإدارة في حينه للكشف عن ملابسات ما جرى، جراء جشع المورد لتحقيق أعلى عائد من فيلم يعج بالمشاهد المخلة والألفاظ البذيئة، فبتر لقطاته بتراً مجحفاً من أجل تمرير عرضه وتصنيفه ليكون متاحاً لجميع الفئات العمرية، وبالتالي زيادة عائداته المالية، فكانت الصدمة والخيبة لكل المشاهدين من التصرف الذي يبدو أن السكوت عنه دفع لتكرار السيناريو، ولكن هذه المرة بالعربي!.
فقد صُدم محبو السينما - وأعد نفسي منهم - بفيلم عربي مقزز مشوه مسروق من الألف إلى الياء حتى بملصقه الدعائي من فيلم أجنبي، يعتمد فقط على جسد وحركات المغنية بطلته التي لا تمت لعالم السينما والتمثيل من قريب أو بعيد.
وارتفعت أصوات المشاهدين بالشكوى من انحدار مستواه، بالصورة التي جعلت حتى من شاهده يرفض ذكر اسمه لاعتقاده أنها شبهة بحد ذاتها. ولتثير معها تساؤلات عديدة حول الجهة التي سمحت بعرض الفيلم من الأساس.
وللمرة الثانية، يظهر الدور غير المسؤول لبعض موردي الأفلام ممن لا يهمهم سوى تحقيق المزيد من الأرباح والأموال، ودون أدنى اكتراث للمجتمع وقيمه، وهي القيمة الأسمى التي يفترض بها أن تحرك أي جهة وتحدد التزاماتها في البيئة التي تعمل منها وفيها.
وقد اضطرت إدارة المحتوى الإعلامي في المجلس الوطني للإعلام لإعادة النظر في عرض الفيلم، وشكلت فريقاً رقابياً بعد استدعاء المورد، وجرى حذف مشاهد إضافية، ولوحت باتخاذ إجراءات بحق دور العرض غير الملتزمة بالتصنيف العمري للأفلام.
ومع احترامي لوجهات نظر وآراء الذين يعتقدون أن الأمر مجرد اختلاف في الأذواق والميول، وصعوبة الرقابة على دور العرض؛ لأن المسألة شخصية، وتعود لكل شخص في اختيار الفيلم الذي يريد مشاهدته. إن الرقابة دورها أكبر وأهم من مجرد «تهذيب المحتوى»، فما يعرض، ويتطلب تدخل الرقابة ليس فقط تلك النوعية من الأفلام التي تخاطب غرائز المراهقين، وإنما هناك أفلام تروج لمغالطات تاريخية ودينية تحتاج للحزم، كما جرى مع فيلم «نوح» وكذلك الجدل حول إجازة فيلم «آلام المسيح» من قبل، وعند عرض مسلسل «عمر».
وهناك فرق بين حرية التعبير والإبداع، وبين تسميم العقول بعرض مغالطات تاريخية أو الترويج للتطرف والإرهاب. وحتى في معاقل صناعة الأفلام مثل «هوليوود»، عديدة هي المرات التي تدخلت فيها الجهات المختصة وحجبت أعمالاً يمثل عرضها خطراً على قيم وأمن تلك المجتمعات. و«رقابة المحتوى» مدعوة لتفعيل المقص للتصدي لأمثال هذه النوعية من الموزعين وبضاعتهم الفاسدة الخالية من أي «روح» وذوق وفن.