في مارس الماضي خرجت وزارة الداخلية السعودية على العالم ببيان اعتبرت فيه جماعة الإخوان المسلمين في السعودية وخارجها جماعة إرهابية، هي ومعها حزب الله والحوثيون مع تجريم تنظيمها وتمويلها أو تأييدها والتعاطف معها واستخدام شعاراتها بعقوبات تصل للسجن لمدة ثلاثين عامًا.
كيف بدأت الجماعة أنشطتها بالمملكة
بدأت علاقة الشيخ حسن البنا بالسعودية في مواسم الحج، فكان يقف بالحجاز في كل جمع يخطب ويعظ ويتلو القرآن بالمناسبات. لكن انتشرت حوله التقارير الأمنية التي أشارت لعلاقة بينه وبين دوائر الحكم السعودي التي تسمح له بالنشاط في موسم الحج, مع تعرض الإخوان المسلمين للاضطهاد بعد سقوط الملكية في مصر استقطب الملك فيصل قيادات الإخوان فترة حكم عبد الناصر حتى لجؤوا له، واعتمد الملك فيصل مساعدات لمن تبقى منهم بمصر بدعوى التضامن الإسلامي, حتى بدأ نشاط جماعة الإخوان المسلمين في السعودية عام 1964، وشغلوا المناصب التعليمية والإعلام فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أرسل ورجاله برقيات استقطاب لرموز الجماعة في مصر للعمل بالمعاهد التعليمية.
سبب العداء بين الطرفين
كانت ثورة اليمن 1948 بداية توتر العلاقات الإخوانية السعودية خاصة أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة قد نبتت في المركز العام للجماعة، وحملها قطبان من أخطر أتباع البنا ليقف الملك عبد العزيز ضد هذه الثورة ويمنع وفد الجامعة العربية من التوجه لليمن ويستقبله في السعودية ليمكث بها أيامًا يتلقى نصائح العاهل السعودي الذي قد لا يسعده أن يقوم حكم في جواره؛ مما قد يضر بنظام الوراثة والأسر المالكة لديه. ليبدأ حذر الملك عبد العزيز من الإخوان التي شاع أنها “تهد الدول ثم تقيمها ثانية”.
وهو الأمر الذي تكرر بعد رفض الإخوان المسلمين مشاركة عناصر غير مسلمة في حرب الخليج عام 1991، ومن بعده تورط 15 من شباب السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهو الأمر الذي أثار غضب الأمير نايف وزير الداخلية السابق في خطابه ضد الإخوان عام 2002، لأن التشكيكات لم تسرّ واشنطن واعتبرتها مؤشرًا على أن المملكة السعودية لم تأخذ قضية الإرهاب مأخذ الجد.
الخطاب السياسي والديني للإخوان في المجتمع السعودي
كان من أخطر مهمات الجماعة هو خلق خطاب ديني جديد يبرر خيارات الإسلام السياسي في السلطة، وهي الأفكار المنقولة من الجماعة الأم بمصر، ليساعدهم في ذلك جماعة السلفية السياسية بالسعودية والتي كانت نتاجًا عن اتحاد الإخوان المسلمين بالسلفية التقليدية بالمملكة، ويعتمد ذلك الخطاب على محاور في الرؤى والتحركات أولها “المحور الفقهي”، والذي اعتمد على تقديم محاولات فقهية جديدة تمنح فرصًا أكثر سهولة للتعامل مع مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، وتسهيل المعاملات البنكية من خلال المصرفية الإسلامية، وذلك لتسويق الخطاب السياسي بأنه عملي ومنفتح وجذب العامة له بناءً على التسهيلات الفقهية التي يقدمونها لاكتساب أتباع وداعمين سياسيين.
بعد ذلك تم استخدام “المحور التاريخي” كوسيلة لإعادة كتابة التاريخ السعودي، ووضع أولويات ومعايير جديدة لبناء جذور دينية وتاريخية لتيار جديد في مرحلة تطوير مستمرة، وهو ما يمكن رصده في كتب ومقالات وتدوينات، وتصعيد “المحور الحقوقي” على مستوى الخطاب والممارسة ليصبح أداة ضغط سياسية تمكنهم بالتحالف مع المؤسسات الحقوقية والإعلامية الغربية لتشكيل ضغط على صانع القرار السياسي وتفعيل “المحور المفاهيمي” ليتم هنا خلط مفاهيم كالتوحيد والدولة والشريعة والعدالة ومثلها من مفاهيم دينية لها دلالات في التراث السياسي السني وإعادة تفسيرها وتوظيفها سياسيًّا وتبني مفاهيم غربية لا تعرفها المملكة كالديمقراطية والحرية وتبنيها داخل الخطاب الديني، نهاية “بالمحور السياسي” وهو مصب أنشطة الجماعة لبناء خطاب وتوجه سياسي قوي يستطيع فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي.
انتشار الإخوان المسلمين في أرجاء المملكة وحركات التمرد
وتشكل وسط الحياة السياسية الراكدة بالسعودية المعارضة الإخوانية، والتي انقسمت لمعارضة “صحوية” قادها الدكتور سلمان العودة أقامت محاضرات عن أسباب سقوط الدول وهاجمت الصوفية والتحالفات الدولية، وظهر منها من صرح بتكفير الملك السابق فهد بن عبد العزيز والمملكة السعودية، ومعها لجنة “جام” وهي مزيج بين الإخوان المسلمين وحزب التحرير وقادها سعد الفقيه وعبد العزيز القاسم لتنتشر جماعة الإخوان المسلمين السعوديين في أرجاء المملكة، ومنها “إخوان الحجاز” والمنتشرون في الحجاز وجنوب وشرق المملكة وهو أقوى تنظيمات الإخوان وأكثرها تأثيرًا وانتشارا بالسعودية, و”إخوان الرياض” أو القيادة العامة ويقتصر عملها على المشاركة في بعض البيانات الجماعية التي ظلت لفترة طويلة تمثل جيوب الإسلام السياسي في السعودية من شتى التيارات المدمجة، و”إخوان الزبير” وهم مسالمون مع بعض الاستثناءات من مجموعات هاجرت في السابق لجنوب العراق وانتسبوا لجماعة الإخوان المسلمين هناك وظلوا على تواصل معهم بعد عودتهم للسعودية.
ردهم على موقف السعودية من الربيع العربي
في البداية ظل الملك عبد الله على موقفه من الربيع العربي في مصر خاصة في مناصرة الرئيس الأسبق حسني مبارك حتى شعر بصعوبة الموقف وافتقاده لمؤازرة الدول العربية ليبارك بعد ذلك فترة الحكم العسكري، وكما أشيع أنه أرسل للمجلس العسكري يدعوه ألا ينجح أحد المرشحين الإسلاميين، وهما: عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد مرسي خوفًا على سلطته, لتأتي فرحة الملك السعودي بعد ذلك مع نجاح تحرك وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي في 3 يونيو، ونزع السلطة من الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان الدكتور محمد مرسي في خطاب للملك وولي عهده ليظهرا التأييد الكامل للجيش المصري الذي تولى قيادة مصر، ويبدأ هجوم من المرشد العام للجماعة ويشبه ما حدث من تكالب على حكم الإخوان في مصر بهدم الكعبة، وقد صاحبه حديث يوسف القرضاوي الذي هاجم السعودية والإمارات واتهمهما بقتل المصريين بملياراتهم، ومعه عشرات المنتمين للإخوان المسلمين في السعودية والخليج ليظل رد المملكة تحالفًا مع الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي ورفضًا لتدخل جماعات الإسلام السياسي في اتخاذ القرارات بها أو دخولهم البرلمان السعودي.
هذه كانت أهم المحطات في علاقة الإخوان بالمملكة، من احتضان إلى توتر إلى مطاردة عبر الحدود في مصر وليبيا وغيرها من الدول العربية.