سياسه بوست: هل تثمر المصالحة الخليجية تقارباً بين الفرقاء في ليبيا؟
في السابع عشر من نيسان/ أبريل العام الماضي اتفق وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي على آلية تنفيذ وثيقة "الرياض"، والتي أوحت إلى قرب انتهاء الأزمة بين قطر والسعودية، على خلفية أحداث المنطقة المتأزمة لاسيما في مصر وسوريا، فضلا عن تسوية الخلاف مع الإمارات والبحرين وعودة السفراء إلى قطر وهو ما تم بالفعل.
وفي السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر وقع أمراء وملوك الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على اتفاق الرياض والذي نجح في احتواء الخلاف الحاد بين قطر ودول الخليج وعودة السفراء بعد 8 أشهر، عبر قمة استثنائية في الرياض وبوساطة كويتية.
هذه المصالحة جاءت فيما يبدوا في وقت تشهد فيه المنطقة العربية والإقليمية توترًا سياسيًا، وانفلاتا أمنيًا، خاصة في دول العراق واليمن وليبيا وسوريا، وهي الأحداث التي ترتبط بمصالح مباشرة سياسية وأمنية واقتصادية لدول الخليج، ويبدو أن تصاعد المخاطر قد دفع الفرقاء الخليجيين إلى رأب الصدع ونبذ الخلافات ولو مؤقتًا.
وثمة من يرى أن زيارة ليبيا وتحديدًا رئيس حكومة الإنقاذ الوطني "عمر الحاسي" إلى الإمارات أوائل الشهر الجاري، جاءت كثمرة من ثمار المصالحة الخليجية، خاصة وأن الإمارات تصنف كأحد أبرز الداعمين لحكومة عبد الله الثني وبرلمان طبرق المنحل.
صراع سياسي
يشار إلى أنه لا بد من التنويه هنا إلى أن ليبيا تعيش في ظل حكومتين متنازعتين على السلطة، فالأولى هي حكومة الإنقاذ الوطني والتي يرأسها عمر الحاسي، والثانية هي الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني.
لذلك فوجود حكومتين في البلد نفسه، أعطى مبررات كثيرة لتدخل دول خارجية في شؤونها الداخلية وفرض سياسات معينة، فالإمارات مثلا تحكمها علاقات قوية مع حكومة الثني المدعومة من البرلمان المنحل في طبرق والتي تحظى باعتراف القوى الدولية، فيما قطر لديها جسور متينة مع حكومة الحاسي، المدعومة من المؤتمر الوطني العام والتي تحظى بتأييد القوى الثورية.
ويتمتع برلمان طبرق وحكومة الثني بعلاقات جيدة مع الإمارات، وتأتي زيارة الحاسي ووفد حكومته للطرف الداعم لخصمه "الإمارات"، في اتهامات وجهتها قوات "فجر ليبيا"، المدعومة من المؤتمر الوطني العام "البرلمان السابق"، لكل من الإمارات ومصر بتوجيه ضربات جوية في آب/ أغسطس 2014 ضد مواقع لها في طرابلس، وهو ما نفته القاهرة وأبو ظبي.
اختلاف الدعم
والناظر إلى الوضع الليبي الحالي، يرى انقسامًا واضحًا في طبيعة الدعم المادي والعسكري للجماعات القائمة في ليبيا، حيث أن قطر تدعم جماعات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، فيما تقاوم بعض دول الخليج صعود الجماعات الإسلامية إلى السلطة.
حتى أن الجنرال الليبي المنشق خليفة حفتر، حاول مرارًا وتكرارًا حل الحكومة الليبية التي يسيطر عليها الإسلاميون بسبب دعم قطر للحكومة الإسلامية في ليبيا صراحة، في إشارة واضحة إلى عدم قبوله السياسة القطرية في البلاد.
وثمة من يرى أنه داخل منطقة الخليج العربي توجهيْن في السياسة الخارجية للتعامل مع دول الجوار، وهذا تجلَّى في التعاطي مع الصراع الليبي، حيث إن قطر تقوم على سياسة الأبواب المفتوحة والدعم المالي والإعلامي الواسع، فيما تعتمد الإمارات العربية والسعودية ومعهما باقي دول الخليج على الحصار الأمني والملاحقات.
وكرد فعل أولي على زيارة الإمارات الأولى إلى ليبيا، رأت حكومة الثني أن أطرافًا عربية على رأسها مصر والإمارات والسعودية تدعم الجيش الليبي، في إشارة إلى القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وأن بلاده دون هذا الدعم لن تتمكن من مواصلة حربها على "الإرهاب".
والمعروف إذن عن الإمارات دعمها الواضح لحكومة عبد الله الثني، وبرلمان طبرق المنحل والقوات الموالية للجنرال "خليفة حفتر"، لذا فإن زيارة وفد من حكومة الحاسي إلى الإمارات يعد أحد التغييرات الناجمة عن المصالحة الخليجية.
مساران مختلفان
لذلك، تأتي هذه الزيارة بعد أيام من زيارة "حمد الدايري" وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة المنبثقة عن برلمان طبرق، إلى الدوحة، لأول مرة منذ توليه مهام منصبه في سبتمبر الماضي، برغم أن الدوحة تصنف كأحد الداعمين لحكومة "الحاسي" والمؤتمر الوطني العام.
واعتبر حينها المحللون أن رؤية قطر، التي تعتمد على تغليب لغة الحوار وعدم الإقصاء، من أجل التوصل إلى حل سياسي يخرج ليبيا من الأزمة الحالية؛ هي الحل الأمثل للأزمة، بالإضافة إلى أهمية وضع خطط وآليات للتنفيذ على أرض الواقع.
وحسب مراقبين في الشأن الليبي، فإن إطفاء بؤرة اللهب الليبية سوف تُشيع مناخًا من الأمل لدى جوار ليبيا، وكذلك في ضبط موجة العنف المسلح التي تستشري في منطقتنا، وحيث تشكل ليبيا رافدًا لهذه الموجة، ومصبًا لها في الوقت ذاته.
وليبيا رغم أنها ليست دولة حدودية مع الخليج، هي مجرد مثال على آفاق التحرك الممكنة أمام مجلس التعاون الخليجي للتأثير خلال المرحلة المقبلة في الوضع الإقليمي، وصولا إلى التحضير للقمة العربية المقبلة التي تعقد عادة أواخر مارس/آذار من كل عام، بحيث تتم بلورة مواقف خليجية متسقة خلال الفترة القادمة.
ويبدو أن قطر والإمارات في سبيلهما للعمل معًا لإنجاز مصالحة بين الأطراف المتصارعة في ليبيا بعد أعوام من تبني سياسات مغايرة، وهي مهمة لا تبدو سهلة، وفي حال إحراز تقدم فيها فإنه ربما يكون مقدمة لإحداث تقارب خليجي فعليّ بشأن ملفات أكثر تعقيدًا، لعل أبرزها الأوضاع في مصر.