جاءت وفاة الملك في وقت حساس بالنسبة للمملكة الغنية بالنفط، والتي تكافح ضد تأثير انخفاض أسعار النفط على الصعيد المحلي، وصعود “الدولة الإسلامية”، ونمو دور إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحصول وكلاء طهران على أدوار قوية على نحو متازيد في العراق، ولبنان، وسوريا. وسوف يواجه خليفة عبد الله أيضًا الأزمة المتفاقمة في اليمن، وهو البلد الذي أطاحت فيه حركة المتمردين الحوثيين المدعومة من إيران بالحكومة المدعومة من السعودية. وقال مسؤول سعودي في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن الرياض ترى مستقبل اليمن على أنه “تهديد وجودي”.
وقد توترت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بسبب غضب الرياض من محادثات إدارة أوباما النووية الجارية مع طهران. حيث إن المملكة العربية السعودية وإيران تشنان حربًا بالوكالة ضد بعضهما لسنوات، وكان الملك عبد الله ومساعدوه يعتقدون بأن أوباما على استعداد للتنازل عن الكثير لطهران كجزء من سعيه للتوصل إلى اتفاق نووي معها.
وفي تحالف مصالح غريب من نوعه، كانت مخاوف الملك عبد الله هذه مشتركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي سيأتي إلى واشنطن قريبًا لحضور جلسة مشتركة للكونغرس، والضغط من أجل إصدار تشريع لفرض عقوبات جديدة على إيران في حال فشلت المحادثات. أوباما هدد باستخدام حق النقض ضد مشروع القانون الذي يحظى بدعم هادئ من العديد من الدبلوماسيين السعوديين والخليجيين، وأصدر توبيخًا عامًا لنتنياهو بإعلانه عن أنه لن يجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الزائر.
وعلى المدى القريب، قد تكون أكثر القضايا تعقيدًا بالنسبة للحاكم السعودي المقبل هي الانخفاض المتواصل والكبير في أسعار النفط العالمية.
لقد انخفض النفط الخام إلى نحو 50 دولارًا للبرميل، وهو ما يشكل ضربة قوية للحكومة السعودية، التي تعتمد اعتمادًا كليًا على عائدات النفط. هذه الأسعار دفعت إلى حدوث عجز في ميزانية عام 2015 للمملكة العربية السعودية، وهو العجز الذي يحدث للمرة الأولى منذ سنوات.
وسوف يضع تراجع أسعار النفط هذا اثنين من التحديات في طريق الملك سلمان. أولًا، اشترت المملكة لعقود من الزمن استقرارها الداخلي من خلال تقديم نظام الرعاية الاجتماعية السخي جدًا للمواطنين، والرعاية الصحية والتعليم المجانيين، ومزايا أخرى؛ إلا أن فعل هذا سيكون أكثر صعوبة في ظل انخفاض النفط إلى أدنى سعر له منذ عقود.
وثانيًا، تستخدم المملكة العربية السعودية النفط في بناء قوة عسكرية مميزة في الشرق الأوسط، وشراء رزمة
من الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وتوظيف الآلاف من القوات الأمريكية والغربية لتدريب القوات الخاصة بها. وفي السنوات الأخيرة أيضًا، كثفت المملكة من التزاماتها المالية تجاه المتمردين الذين يعملون للإطاحة بالأسد، والحكومة المصرية الجديدة التي تعتبرها المملكة حصنًا منيعًا ضد عودة الإسلاميين الذين سيطروا على البلاد في عهد الرئيس السابق، محمد مرسي.
وفي هذه اللحظة كذلك، يتساءل العديد من السعوديين عن مستقبل جهود الإصلاح التي أطلقها عبد الله ولكنه لم يتمكن من رؤية تحققها بالكامل. لقد عمل على الحد من اعتماد البلاد على النفط عن طريق تشجيع استخدام الطاقة النووية، وغيرها من أشكال الطاقة المتجددة. كما واتخذ الملك أيضًا خطوات متواضعة لإعطاء المرأة المزيد من الحريات، على الرغم من تأجيل تنفيذ وعد السماح للنساء بالتصويت في الانتخابات البلدية إلى أجل غير مسمى بسبب انتقادات من المحافظين دينييًا واجتماعيًا في البلاد.
وقد أمضى سلمان سنوات في دوائر السلطة، ولكن ليس من الواضح أي نوع من الحكام سيكون. أشار المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، بروس ريدل، قبل عامين تقريبًا إلى أن سلمان “كما يشاع مريض بشكل متزايد … وغالبًا ليس جاهزًا لهذا المنصب”. وكانت الشائعات حول صحة سلمان تحوم حوله لسنوات، لكنه ومساعديه نفوا باستمرار أنه يعاني من أي مشاكل كبيرة.
وسوف يكون على الملك الجديد أن يوطد علاقته الشخصية مع أوباما، وأن يقرر إلى أي مدى يجب دفع إيران إلى الوراء في ساحات القتال في الشرق الأوسط وفي غرف فيينا وجنيف التفاوضية. لقد حافظ عبد الله على بلاده مستقرة نسبيًا في الوقت الذي كان العنف والتغيير السياسي يعصف بكثير من المنطقة، وسيتم بناء شكل مستقبل المملكة العربية السعودية عن طريق مدى قدرة شقيقه على فعل الشيء نفسه.