بدأت العلاقات السعودية -التركية تستعيد عافيتها بحذر وتفاؤل قلق، في ظل رادارات إقليمية لمستوى تحسن هذه العلاقة، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان النجم اللامع في ظلمة العزاء برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ولم يمضِ أسبوع على زيارة الرئيس التركي إلى السعودية معزيا، حتى أرسلت تركيا السفينة الحربية الوطينة بويوكادا (F-512) إلى ميناء جدة البحري في إطار مناورات عسكرية مع دول البحر الأحمر والبداية في السعودية.
هذه الخطوة التركية تبدو وأنها بداية من النهاية، وامتدادا للتعاون العسكري بين البلدين الذي وقع عليه الأمير سلمان حين كان وليا للعهد، واللافت في وصول هذه السفينة الحربية التركية، اهتمام السفارة التركية من الناحية الإعلامية، حيث أرسلت دعوات لكل الصحفيين في المنطقة الغربية من أجل حضور تدشين الوصل، فيما سيكون للقنصل التركي كلمة الافتتاح، وهي خطوة لم تكن لتحدث في ظل الأجواء الملبدة التي سبقت وصول سلمان إلى الحكم.. إذ كان واضحا طوال الفترة الماضية مدى الحساسية السعودية من تركيا في كل المجالات.
لا يخفى على أحد رغبة الأتراك في العودة إلى الساحة الخليجية وخصوصا السعودية، لما لذلك من أهمية اقتصادية وسياسية لأنقرة.
وقد حرك التقارب القطري -السعودي -المصري المياه الراكدة في الرغبة التركية، ومع ذلك ظلت الخطوات التركية متباطئة نظرا لاختلاف المزاج مع السعودية –التي ذهبت إلى أبعد الحدود لتأمين حكم السيسي- لكن على ما يبدو أن المجرى بدأ يتحرك بوصول سلمان إلى الحكم.
يرى العديد من المراقبين للشأن السعودي، أن حكم الملك سلمان بن عبدالعزيز سيعود بالمملكة إلى عصر المحافظ، الذي يعتمد على رجال الدين "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وإزالة كل مظاهر الليبرالية التي كانت طوال السنوات العشر الماضية، وعلى الرغم من موقف المملكة الثابت من الإسلام السياسي، إلا أن "إسلام" أردوغان السياسي بكل تأكيد ليس كـ"إسلام" مرسي، وهذه إحدى النقاط الحيوية البراغماتية التي تحسب للسياسة التركية "الأردوغانية" وربما يكون هذا الأمر مدخلا جيدا لضخ المياه في المجرى الجاف.
لقد كتب المحلل السياسي، جمال خاشقجي –المقرب من دوائر صنع القرار السياسي في السعودية- أمس مقالا في جريدة الحياة بعنوان "لكل زمان دولة ورجال .. وسياسة خارجية": نحتاج إلى غرفة عمليات مشتركة سعودية - أميركية - تركية وظيفتها إطفاء الحرائق والمصالحة وكل ما سبق.. ويمكن الاعتماد على هذا المقال ليس من الناحية التحليلية فقط، وإنما من الناحية المزاجية للقيادة السعودية الجديدة.
لكن في المقابل، هل ستكون العودة مجانية على الطرف التركي، وتغير الوضع بين البلدين بتغير القيادة، أم تحتاج تركيا إلى مراجعات حيال موقفها من الإخوان في المنطقة، ومرة أخرى يجيب خاشقجي في ذات المقال بقوله: تركيا، تحتاج إلى أن تنظر إلى أن علاقاتها الاستراتيجية مع السعودية أهم من مجرد نصرة تيار "الإخوان المسلمين".
إن أكثر ما يبعث على التفاؤل في تحسن العلاقات التركية -السعودية، أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، هو من تولى ملف العلاقة مع أنقرة حين كان وليا العهد ووزير الدفاع، ولعل زيارته الشهيرة إلى أنقرة في مايو (أيار) العام 2013 هي من أسست القاعدة الصلبة للعلاقات بين البلدين، إذ وقع آنذاك اتفاقية للتعاون الصناعي -الدفاعي بين البلدين، حينها تحدث الإعلام السعودي عن حقبة جديدة في العلاقات التركية -السعودية، أساسها التعاون الصناعي والعسكري، بل كان من المفترض تطوير هذا التعاون خصوصا في شكله العسكري، إلا أن خلط أوراق الشرق الأوسط، وتضارب التوجهات والرؤية حول سوريا ومصر وليبيا، أوقف كل المشساريع بين البلدين.. وكانت شعرة معاوية انقطعت –دون الدخول في تفاصيل من هو المسؤول- حين أطاح وزير الدفاع المصري –آنذاك- عبدالفتاح السيسي بحكم الرئيس محمد مرسي بدعم السعودية والإمارات، في هذه اللحظة توقفت العجلة السعودية -التركية تماما، وبدت الأزمة المصرية هي معيار هذه العلاقة متناسين التوافق حول سوريا وإسقاط نظام الأسد.
بكل تأكيد المحور التركي -الأمريكي -السعودي، سيكون محور الإنقاذ للمنطقة، فهل تستنهض الخطوات التركية السعودية لتمكين هذا المحور الثلاثي من القيام بمهمة المعجزة وضبط إيقاع المنطقة التي باتت قضاياها تتدحرج ليس ككرة الثلج.. وإنما ككتلة النار الحارقة، تأكل الأخضر واليابس.