طرح مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية- مقره أبوظبي، جمال سند السويدي في مقال له بصحيفة الاتحاد(3-2) تساؤلا جوهريا أنهى فيه مقالا له بعنوان "صانع التاريخ"، تحدث عن الإنجازات التاريخية للوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله. وجاء نص التساؤل حرفيا "هل انتهى عصر المعجزات..عصر الشيخ زايد؟".
فبعد أن استعرض السويدي سيرة ومسار الإنجازات الداخلية والخارجية للشيخ زايد وعلاقاته الدولية ولا سيما العربية والإسلامية، قدم السويدي هذا السؤال المهم في اللحظة التاريخية الراهنة لدولة الإمارات، وهو يدرك حقيقة الإجابة عنه.
دولة الإمارات بين عهدين
إن إجراء أي مقارنة بين عصر الشيخ زايد وما بعده تقدم إجابة واضحة ومحددة، قد تقود للاستنتاج بأن عصر الشيخ زايد قد يكون بالفعل انتهى استنادا إلى حجم التغيير في سياسة دولة الإمارات وعلاقاتها الخارجية والداخلية أثناء عصر زايد وبعده.
السويدي الذي قدم لمحة كافية عن إنجازات الشيخ زايد تجاهل الإشارات المتكررة الواردة من العواصم العربية والإسلامية التي تحكي واقعا مختلفا لدولة الإمارات اليوم عن الواقع الذي كان سائدا في عهد زايد، ولو قدم السويدي المؤشرات على ذلك لوجد الكثير في جعبته الذي يمكن أن يكون شاهدا موضوعيا على اختلاف عهدين عاشتهما دولة الإمارات.
عهد ما بعد زايد
الأحداث والشواهد السياسية تشير إلى أن دولة الإمارات تعيش عصرا مغايرا تماما عما صاغة الشيخ زايد. فاليوم الإمارات وكما يؤكد مسؤولون إماراتيون وتقارير إعلام غربية ومراقبون ومحللون في الشان السياسي، يؤكدون على انخراط دولة الإمارات في ملفات إقليمية شائكة ومعقدة وتقوم بدور "سلبي" فيها من وجهة نظر كثيرين.
ففي الملف المصري، بات الحديث عن دور إماراتي يبعث على السأم من التأكيدات التي تشير إلى تدخلها لصالح النظام على صالح الشعب المصري، ما أدى أمس (2|2) لأول مرة في تاريخ مصالح الدولة الإماراتية أن تتعرض للمساس المادي وذلك بإحراق بنك الإمارات دبي الوطني في القاهرة على يد حركات شبابية، ترى أن "لدولة الإمارات دور في تثبيت نظام السيسي نظرا للدعم غير المحدود له".
وفي الملف الليبي، تعرضت السفارة الإماراتية للاستهداف بتفجيرات إرهابية من جانب جماعات ليبية متشددة ترى أن "الإمارات تقدم الدعم العسكري والمالي" للواء المنشق حفتر ما أدى إلى ضياع بوصلة ثورتهم، على حد تقديرهم. وفي العراق، تتعرض طائرة إماراتية لإطلاق نار من جانب المليشيات المسلحة لذات الأسباب. فضلا عن دخول الإمارات في تحالفات دولية تواجه انتقادات من جانب مسؤولين إماراتيين أيضا، فضاحي خلفان طالب واشنطن أكثر من مرة أن توضح طبيعة "حربها على داعش" مشككا بصدق وجدية واشنطن في ذلك، ومع هذا تستمر دولة الإمارات في هذا التحالف.
وفي القضية الفلسطينية، يورد السويدي مقولة زايد التاريخية "النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي" للاستدلال على المواقف المشرفة للمغفور له. ولكن اليوم فإن موقف دولة الإمارات من القضية الفلسطينية يواجه اتهامات مستمرة من جانب الفلسطينين الذي يرون أن لدولة الإمارات مواقف إنسانية فقط ولكنها لم تعد تبدي التزاما قوميا وإسلاميا كما الحال في عهد زايد، وما "حكاية دحلان" إلا فصل من فصول العلاقات الإماراتية الفلسطينية التي تأزمت بعد زايد، وأخذت تندد بالمقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي الداخل الإماراتي أيضا شهدت الساحة الإماراتية انتهاكات حقوقية واسعة بعد عهد زايد حيث اعتقل العشرات وتتواتر تقارير حقوقية تؤكد تعرضهم للتعذيب، إلى جانب لجوء العديد من الإماراتيين إلى دول اللجوء في العالم بعد أن ضاقت بهم بلادهم وتحولت ملاذا آمنا للهاربين من فشلهم وشعوبهم من اليمن وغزة ومصر وليبيا وتونس وغيرها.
هل انتهى عصر زايد
رئيس مركز الإمارات ختم مقاله بهذا السؤال دون أن يقدم إجابة، تاركا للقارئ أن يستخدم مداركه ومعارفه ومصادره للإجابة عنه، لذلك من المناسب لنا أيضا ألا نقدم إجابة أيضا، تاركين للقارئ الذي سبق وعيه النخبة والإعلام والمثقفين ليبلور الإجابة المناسبة وفقا للمعطيات والحقائق التي يقفوها بعلمه بسمعه وبصره وفؤاده، ليجيب عن "هل انتهى عصر زايد؟".
ومع ذلك فإن حق الشيخ زايد أن نذكر ما قاله مواطن إماراتي لبعض ضيوفه، " كنا في السابق (يقصد الشعب الإماراتي) عندما نزور دول العالم نحاول بكل الطرق إظهار أننا إماراتيون لأننا كنا موضع ترحيب، ولكن الآن فإننا نحاول بكل الطرق أيضا أن نخفي هويتنا الإماراتية، لأن مشاعر الناس تغيرت اتجاهنا" وذلك على ذمة المواطن الإماراتي الذي أكد أنه يعبر عن كثيرين.