في مقال لآدم غوغل في مجلة «نيوريباليك» الأمريكية عن علاقة النظام السعودي الجديد بالحريات العامة كتب معلقا على قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز وقراره بالعفو العام عن سجناء «الحق العام» وذلك بعد توليه الحكم بأيام عقب وفاة أخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وقال غوغل الذي يعمل باحثا في قسم الشرق الأوسط بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية إن القرار أعطى أملا لناشطي حقوق الإنسان والمعارضين السلميين بأن ملاحقة الدولة وقمعها لهم تقترب من النهاية.
لكن الآمال تبخرت عندما أصدرت السلطات نص العفو الذي استبعد عددا من المحكومين بأحكام متعددة خاصة تلك المتعلقة بجرائم «تمس الأمن القومي». فهذه الجرائم التي لا يعرفها النظام الجنائي السعودي يمكن أن تطبق على الأشخاص الذين اتهموا بارتكاب أفعال عنف أو الناشطين في المجال الحقوقي. خاصة ان النص يتحدث بلغة غامضة عن جرائم «تزرع الفتنة» في البلاد أو «تؤجج الرأي العام» و «تمس بالنظام العام».
فما هو ما يمكن تصنيف ما يكتبه أو يقوله الناشطون على أنه خطر على الأمن القومي. ويتساءل هنا عن الطريقة التي تقوم بها النيابة العامة أو القضاة بتقرير ما هو مقبول أو غير مقبول؟ ويتابع غوغل قائلا إنه راجع الحكم الصادر ضد المدون رائف بدوي الذي أثار الحكم بجلده اهتماما دوليا. فالحكم يشير في حيثياته إلى سلسلة من التصريحات «الإجرامية» التي قام بها ومنها أن «الملحد له حق قول ما يشاء. وله حق الخروج بين الناس ويقول بصوت صادق «أنا ملحد ولا أحد له الحق في محاسبتي».
ومنها أن «شبكة الليبراليين هي شبكة تتبنى الفكر الحر المتحرر من الفكر الديني»، وقال «يزعم السلفيون أنهم يعرفون الحقيقة الدينية وتساعدهم الدولة على هذا». وشكلت هذه البيانات والتصريحات أساسا للحكم الصادر على بدوي بـ10 سنوات سجن و1000 جلدة. ويقول الكاتب إن المسألة المهمة في قضية بدوي ليست إن كان قد أهان الإسلام ولكن فيما إن كان تلفظ بها حيث اعتبرت تصريحات إجرامية.
ليست استثنائية
ويرى غوغل أن قضية بدوي ليست استثنائية في السعودية أو حتى خاصة. فقد صدرت أحكام قاسية ضد ناشطين باتهامات واهية. ويعتقد الكاتب أن غياب قانون جنائي مكتوب أعطى محامي الإتهام والقضاة مساحة لاعتبار المواطن الذي يقوم بنقد عام للدولة مذنبا «يخرق قانون البيعة» و «يتجرأ على الدين» بدون إثبات أن المتهم ارتكب الفعل في الحقيقة أم لا.
وفي الوقت نفسه يقوم النظام القضائي بتفسير قانون عام 2007 لمكافحة جرائم الإنترنت لإدانة المعارضة السلمية. ففي البند السادس من القانون يعتبر من يقوم «بنشر أي شيء يعرض النظام العام، القيم الدينية والأخلاق العامة» جريمة.
والصياغة اللفظية غامضة وتسمح بهذه المثابة للقضاة والإدعاء العام بسجن المواطنين السعوديين بتهمة خرق القانون. ويشير الكاتب إلى السعودي وليد أبو الخير، الناشط في حقوق الإنسان من مدينة جدة والذي حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما لانتقادات صدرت منه في مقابلات صحافية وتغريدات. وتضم بعض التعليقات الساخرة وتعبر عن مفارقة مثل «لم يبرز النظام القضائي من أمة تراقب حكامها لأنه ليس نظاما مستقلا.. ولأن النظام القضائي بدون قواعد محددة في الحالات السياسية».
واعتبرت تعليقات أبو الخير مهينة للنظام القضائي، رغم أنها تعبر عن الوضع الحقيقي حيث يقوم النظام القضائي بالرقابة على حرية التعبير والتأكد من منعها تحت مبرر «تهديد الأمن القومي». ويرى غوغل أنه «حتى يقوم الملك سلمان بالتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير واسعة ويأمر بإطلاق سراح الناشطين السلميين المتهمين بجرائم لها علاقة بحرية التعبير فسيظل ينظر للسعودية بأنها المكان الذي يعاقب فيه الشخص الذي يمارس حرية التعبير وبطريقة عشوائية».
ممنوع الحديث
ولا يمكن النظر للحالة السعودية بمعزل عن وضع الحريات العامة في العالم العربي خاصة في دول ما يعرف بالربيع العربي، حيث عادت الدولة العميقة والقمعية لممارسة عاداتها القديمة. ففي مصر صدرت سلسلة من القرارات بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 منها تحريم التظاهر بدون إذن وتحريم المس بالجيش المصري والحديث عن سير عملياته في شبه جزيرة سيناء.
وتحول الإعلام في ظل حكومة عبدالفتاح السيسي إلى مذعن. وفي هذا السياق يقول مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» أن السلطات المصرية منعت الإعلام من مناقشة حالة الناشطة الشهيرة شيماء الصباغ التي قتلت برصاص الأمن المصري في ذكرى ثورة 25 يناير 2011.
وكانت شيماء، الناشطة والشاعرة تشارك في تظاهرة قرب ميدان التحرير الذي كان قلب الاحتجاجات التي أطاحت بنظام حسني مبارك.
وقال عدد من شهود العيان أن الرصاصة جاءت من شرطة مكافحة الشغب. ورغم أن قتل المتظاهرين أصبح روتينا، وبعد يوم من مقتل الصباغ قتل 20 آخرين. لكن صور وسيرة حياة الناشطة، جعلتها في مركز الاهتمام والنقاش العام على وسائل التواصل الاجتماعي. ودعا السيسي للتحقيق في القتل والقبض على الفاعل. وفي محاولة لقتل النقاش حول الناشطة أصدر النائب العام هشام بركات أمرا يحظر فيه على الإعلام مناقشة الموضوع والاعتماد على المعلومات الصادرة من مكتبه. وعلق نجيب البرعي، المحامي المصري الذي عادة ما يدافع عن منظمات إعلامية «يريدون من الناس نسيان القضية».
وأضاف «في كل يوم هناك ناس يموتون وتصدر أصوات من الناس حول القتلى الجدد وينسون من مات في السابق». وعلق على قرار النائب قائلا «بسبب هذا سيتوقف الناس الحديث عن شيماء الصباغ، وخطوة خطوة سينسونها». ويصور القرار ما آلت إليه أوضاع حرية التعبير في مصر مع أن القرار غلف بغلاف قضائي وقانوني.
قناة العرب
وفي البحرين قررت الحكومة هناك وقف بث قناة تلفزيونية يمولها الميلياردير الوليد بن طلال، والتي لم تبث على الهواء سوى ساعات قبل توقفها «لأسباب فنية».
وبدا واضحا أن السلطات البحرينية لم تكن راضية عن سياسات القناة وهو ما دعا مجلة «إيكونوميست» لتخصيص مقال حول حال الإعلام في العالم العربي تحت عنوان «الإعلام العربي: شعلة تنطفئ». وعلقت المجلة على وضع «قناة العرب» التي وصفها مدير التحرير فيها جمال خاشقجي أنها «صوت من لا صوت له» «ولكن لم يطل الأمر، فبعد ستة ساعات من البث الحي على الهواء قامت الدولة الخليجية بمنعها، وفي 9 شباط/ فبراير دعت السلطات المحلية هناك القناة لإغلاق مكاتبها وبشكل دائم حيث زعمت أن القناة لم تحصل على ترخيص، وكانت جريمة القناة الحقيقية هي مقابلة أحد ممثلي حركة الوفاق المعارضة». وترى المجلة أن الحياة القصيرة لقناة العرب في البحرين هي رمز لانتعاش الإعلام المستقل في العالم العربي وتلاشيه، فقد تشكلت رؤية القناة في ذروة الربيع العربي، عندما انهارت عروش وبدأ الناس يتطلعون لإعلام حر. وهي الشهية التي أثيرت منذ التسعينات من القرن الماضي مع ولادة القنوات الفضائية.
الديكتاتوريون يقلدون
وتقول المجلة إن قناة «الجزيرة» التي قدمت نموذجا عن حرية التعبير دفعت الأنظمة الحاكمة لتقليدها من كوسيلة نشر أفكارها في المنطقة ولهذا دعمت إيران وسوريا مشروع إطلاق قناة «الميادين» في عام 2012 كقناة عربية مقرها بيروت. وأملت طهران ودمشق أن تكون القناة معادلا يستطيع مواجهة ما تقدمه القنوات الخليجية المعادية للرئيس السوري بشار الأسد. ويقول صحافي في موقع «المدن» القطري إن الميادين إنشئت خصيصا لمواجهة الإعلام المدعوم من السعودية في لبنان.
استخفاف بالعقول
لكل هذا فما يعرض على القنوات الرسـمية والمحلية مخدر للعقل وممل. ففي السـعودية تقدم القنوات الفضائية برامج دينية وبرامج حول تأثير العائلة الحاكمة. وفي الأردن تحفل الصفحات الأولى بقصص عن العائلة المالكة.
وعندما لا يكون الإعلام الرسـمي غير ممل فإنه يتسم بالكذب. فقد بث الإعلام السـوري مرة خبرا مفاده أن قطر تقوم ببناء مجمـوعة من المدن من أجل تنظيم تظاهرات مزيفة.
وفي الغالب ما كان الإعلام الخاص أحسـن من الرسمي لأن القنوات مملوكة من رجال أعمال حيث ترتبط مصالحهم بمصالح النظام. فقناة «سـي بي سي» المصرية الخاصة والتي بدأت البث في عام 2011 ويملكها محمد الأمين قدمت عام 2012 برنـامج الكوميدي الساخر باسم يوسف «البرنـامج» الذي يشبه البرنـامج الأمريـكي «البرنامـج اليومي» الذي يقدمه جون ســتيورات. لكن البرنامج توقف بعد عام. كما وخسـرت قنـاة «أون تـي فـي» مقـدمة البرامج الشهيرة ريم ماجد التي اختلفت مع إدارة القناة حول حريتها في التعبير وهوس المحطة بـ «الأمن القومي».