على مدار يومين متتاليين نظّم مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، مؤتمرًا إستراتيجيًا، شارك فيه كبار القادة في إسرائيل، وفي مقدّمتهم وزير الأمن موشيه يعالون، وخلال المؤتمر، تمّت مناقشة التهديدات والتحدّيات التي تُحدّق بإسرائيل من جميع الجبهات. وبطبيعة الحال، دار النقاش أيضًا حول العلاقات الإسرائيليّة مع دول الخليج وفي مقدّمتها المملكة العربيّة السعودية.
الباحث في المركز، يوئيل غوجانسكي، قال في معرض تلخيصه للمؤتمر العالميّ الذي يُنظّم للسنة الثامنة على التوالي، قال إنّه في منطقة الشرق الأوسط يوجد لاعبين، مثل دول الخليج وعلى رأسها السعودية، مُشيرًا إلى أنّ العلاقة بين إسرائيل وبين هذه الدول في مرحلة البناء.
وتابع قائلاً، إنّ الأحلاف تتشكّل ومن ثم تنحّل، وهناك دول تتفتت وتتمزق إلى اثنيات مختلفة، ونحن بدورنا، نُناشد الحكومة الإسرائيليّة القادمة أنْ تقوم بفحص المبادرة العربيّة، موضحًا أنّه لا يتحتّم على تل أبيب قبولها، ولكن عليها أنْ تُجري المفاوضات على أساسها، بحسب تعبيره.
وكان المؤتمر قد خصص جلسة جاءت تحت عنوان: حضور إسرائيل في منطقة مضطربة، تمّ خلالها فحص الإمكانيات الإقليميّة التي وجدتها إسرائيل في ظلّ المتغيّرات في العالم العربيّ. الجنرال المتقاعد، عاموس يدلين، المُرشّح لتبوء حقيبة الأمن من قبل حزب (المعسكر الصهيونيّ) والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، تحدّت عن العلاقات السريّة بين إسرائيل والدول العربيّة المعتدلة، لافتًا إلى أنّه يتحتّم على إسرائيل استغلال هذه العلاقات حتى النهاية، لتكون لبنة مركزيّة في سياستها الخارجيّة.
وشدّدّ يدلين على أنّ هذه الدول مستقرّة من ناحية الأمن والآمان أكثر ممّا يتصوّر الجمهور. ولكن في الفترة الأخيرة ظهرت جملة من المتغيرات السياسية والعوامل التي عززت التقارب بين السعودية وإسرائيل، وتمثلت أغلب هذه العوامل في ظهور أعداء مشتركين للدولتين أبرزهم إيران والإخوان المسلمون في مصر وحركة حماس، إضافةً إلى الفتور الذي أصاب علاقة الدولتين بالولايات المتحدة، وهو التقارب الذي عمدت الصحافة الإسرائيلية مؤخرًا إلى الإشارة إليه رغم التجاهل السعوديّ، حيث تداولت وسائل إعلام إسرائيلية أنباء عن لقاءات جمعت رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل بوزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني خلال مؤتمر ميونيخ للأمن والسلام العالميّ العام الماضي، حيث صرح الأمير الفيصل، حسبما نقلته صحيفة (يديعوت أحرونوت) إنّ إسرائيل يمكنها أن تكون لاعبًا رئيسيًّا في منطقة الشرق الأوسط حال توصلت إلى اتفاقية سلام مع الجانب الفلسطينيّ.
وفي كانون الثاني (يناير) 2014 نشر مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل دراسة عن العلاقة مع السعودية، جاء فيها أنّ الوثائق أثبتت أن العديد من الشركات الإسرائيليّة تقوم بمساعدة الدول الخليجية في الاستشارة الأمنيّة، وفي تدريب القوّات الخاصة وتزويدها بمنظومات تكنولوجية متقدمة، علاوة على لقاءات سريّة ومستمرة بين مسئولين كبار من الطرفين.
كما ذكرت الدراسة أنّ إسرائيل قامت بتليين سياسة تصدير الأسلحة إلى دول الخليج، إضافة إلى تخفيف معارضتها لتزويد واشنطن دول الخليج بالسلاح، وذلك في رسالة واضحة لهذه الدول أنه بالإمكان التعاون عوضًا عن التهديد، كما أنّ إسرائيل تتمتع بحرية في بيع منتجاتها في دول الخليج، شريطة ألا يُكتب عليها إنها صنّعت في إسرائيل.
جدير بالذكر أنّ التعاون الاقتصاديّ بين السعودية وإسرائيل ليس جديدًا رغم قلّة المعلومات المتوفرة بشأنه، ويمتد إلى عام 2005 عندما أعلنت المملكة رفع الحظر عن المنتجات الإسرائيلية، علَّ ذلك يشفع لقبولها في منظمة التجارة العالميّة. ورغم توافر العوامل التي تهيئ لعلاقات سعودية إسرائيلية متزنة، فإنّ تقرير معهد أبحاث الأمن الإسرائيلي الذيّ ذُكر أنفًا يشير إلى رغبة البلدين، والسعودية خصوصًا، في إبقاء علاقاتهما قيد السريّة في الفترة الحالية لأنّ من شأن ذلك أن يُلحق الأضرار الجسيمة بالمملكة ويهز صورتها في العالم الإسلامي، مشدّدًا على أنّ التقدّم الفعلي في المسار الفلسطينيّ يؤدي حتمًا إلى تعزيز التعاون بين الرياض وتل أبيب لتطوير العلاقات بينهما وتقديم مبادرات جديدة.