تدفع المملكة العربية السعودية الدول السنية في الشرق الأوسط إلى تنحية خلافاتها بشأن الإسلام السياسي، وتدعوها إلى التركيز على التهديدات المحلية النابعة من إيران وتنظيم الدولة.
واستخدم ملكها الجديد لقاءات قمة مع الدول الخليجية العربية والأردن ومصر وتركيا، التي عقدها خلال العشرة أيام الماضية لتعزيز الحاجة للوحدة، والبحث عن طرق لتجاوز الخلافات حول الإخوان المسلمين.
ويقول دبلوماسيون إن شكوك السعودية العميقة بالجماعة الإسلامية لم تتغير، لكن التفكير الذي يتبناه الملك سلمان هو أكثر دقة من ذلك الذي تبناه سلفه الملك عبدالله، الذي توفي في كانون الثاني/ يناير، وربما احتوى على درجة من التساهل مع الحلفاء، مما يعطي الدول الأعضاء فرصة للتحرك.
وفي العام الماضي قامت كل من السعودية والبحرين والإمارات العربية بسحب سفرائها من قطر؛ بسبب علاقاتها مع الإخوان المسلمين.
ويقول دبلوماسي عربي في منطقة الخليج: "يعتقد السعوديون أنه لو كانت علاقات السنة جيدة بعضهم مع بعض، فعندها سنكون قادرين على مواجهة هذا، ويحاول الملك سلمان توطيد العلاقات في العالم الإسلامي، ووضع الخلافات حول الإخوان المسلمين جانباً".
وتعد إيران الشيعية هي الهم الأكبر بالنسبة للرياض، وتخشى من تزايد تأثير عدوتها الرئيسية في المنطقة، خاصة بعد سيطرة حلفاء طهران الحوثيين على مناطق واسعة في اليمن، ومساعدة قادتها العسكريين الميليشيات التي تقاتل في العراق.
وهناك رؤية آخذة بالتزايد في توصل القوى الدولية إلى اتفاقية مع إيران حول مشروع طهران النووي، مما سيؤدي إلى رفع الضغط عن الجمهورية الإسلامية. وراقبت السعودية بنوع من العصبية حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة وهي تحاول تحقيق اتفاقية مع طهران.
وطمأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري السعوديين يوم الخميس، بأنه يحاول تحقيق "صفقة كبرى" مع إيران، لكن قلق الرياض حول التزام الولايات المتحدة في المنطقة على المدى الطويل، هو ما يدفعها لتحقيق الوحدة العربية.
جاذبية تنظيم الدولة
أما الشاغل الرئيسي الثاني للرياض فهو تنظيم الدولة. فقد دعا تنظيم الدولة السعوديين إلى تنفيذ هجمات داخل المملكة، وقام المتعاطفون معه بمهاجمة قرية شيعية في تشرين الثاني/ نوفمبر، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص.
وتخشى الرياض أن تجذب دعاية التنظيم القوية وأيديولوجيته الإسلامية المتشددة، المحرومين من الشباب السعوديين لتحدي شرعية العائلة الحاكمة ذاتها، التي تقوم في جزء منها على أرضية دينية.
ولكن من خلال البحث عن توافق واسع في العالم العربي حول الإسلام السياسي، فعلى السعودية التصدي للخلافات الإقليمية الأعمق، التي تجري بين الدول السنية التي تقبل حضور الإخوان المسلمين مثل قطر، وتلك التي صنفت الإخوان المسلمين جماعة إرهابية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة.
وبرزت هذه المشاكل في الطريق أمام بناء رد متماسك على أزمات إقليمية، حيث انحرفت محاولات حل مشكلة بعد أخرى للجدال حول طبيعة الإسلاميين.
ويقول دبلوماسي غربي في الخليج: "من الواضح أن السعودية لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة العديد من المعارك، فتنظيم الدولة وإيران هما العدوان الآن، وكل شيء غير هذا يمكن تأجيله".
وتم تقديم مجموعة من اللقاءات التي عقدها سلمان على أنها فرصة للملك الجديد ليناقش مع قادة المنطقة الأحداث بطريقة مفصلة، أوسع مما كان عليه الحال عندما زاروا المملكة لتقديم التعزية بوفاة الملك عبدالله.
وفي الوقت الذي لم يدفع الملك سلمان وبشكل مباشر باتجاه تكتل سني أو ضغط على الدولة لتبدو أكثر استيعاباً لمن هم في داخل الانقسام حول الإخوان المسلمين، إلا أنه فتح الباب أمام إمكانية إعادة ضبط العلاقات بشكل يسمح بوحدة واسعة.
ففي لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مثلاً اقترحت الرياض عليه إنعاش علاقاته مع الدول الأخرى، في إشارة واضحة إلى تقوية العلاقات مع تركيا، كما قال دبلوماسي عربي. ولكنه أكد للسيسي، الذي كان حليفاً قوياً للملك الراحل عبدالله، أن أي محاولة لتهديد أمن مصر من جهة أخرى يعد خطاً أحمر للسعودية، وأن أي تحرك جديد تتخذه الرياض فلن يكون على حساب القاهرة.
أيديولوجية منافسة
لا أحد يتوقع تغيراً كبيراً في الموقف السعودي من الإخوان المسلمين؛ فالحركة تمثل تهديداً أيديولوجياً لدينامية الحكم في الرياض، واعتماد الحركة على البيعة والولاء واللقاءات السرية أمر يبغضه السعوديون.
فقد صنفت الرياض الإخوان المسلمين منظمة إرهابية قبل عام، ويواجه من ينتمي إليها أحكام سجن طويلة. وكما يقول دبلوماسيون ومحللون عرب وغربيون إن هناك نسبة قليلة لتغير هذا الوضع.
لكن الملك سلمان أقل قلقاً من الملك الراحل عبدالله من دور الإخوان المسلمين في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، مثل حزب الإصلاح في اليمن، أو بين جماعات المعارضة السورية. وهو مستعد لأن يعطي الإخوان المسلمين دوراً خارج السياسة، بعدم وقف الدعاة المرتبطين بالجماعة من إلقاء خطب عامة حول القضايا الدينية والاجتماعية مثلاً.
واحدة من الإشارات عن تفكير سلمان البراغماني ظهرت خلال مؤتمر في مكة، عقد الأسبوع الماضي من أجل شجب الإرهاب، وجمع قيادات سنية بارزة، وبينهم مفتي المملكة العربية السعودية وشيخ الأزهر.
ولاحظ سعوديون مطلعون أن المؤتمر نظمته رابطة العالم الإسلامي، وهي المؤسسة التي أنشئت في الستينيات من القرن الماضي لبناء تكتل إسلامي ضد الأيديولوجيات الراديكالية العلمانية، واستخدمت في الثمانينيات من القرن الماضي لتقوية السنة ضد إيران الثورية.
ولكن الرابطة تراجع تأثيرها في عهد الملك عبدالله؛ نظراً لصلاتها التاريخية مع الإخوان المسلمين، ولكن الملك سلمان الآن مستعد لاستخدامها أداة لبناء التضامن السني. ومن بين الوفود التي دعيت إلى المشاركة في المؤتمر عضو بارز في مركز يتخذ من الدوحة مقراً له، وعلى صلات قريبة من الإخوان.
وربما جاء التغير انعكاساً لشخصية الملك سلمان، الذي يقول عارفون خليجيون إنه يتسم بالعناد، مقارنة مع الملك عبدالله. ولديه استعداد لاستخدام أي وسيلة بحوزته لمواجهة التهديدات الكبرى.
وغادر القادة الذين لقيهم كلهم بشعور الواثق أن علاقتهم مع الملك الجديد قوية. وأخبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصحفيين أن العلاقات مع السعودية تتحسن، بحسب ما أوردت صحيفة "حريت" يوم الأربعاء.
ونقل عنه قوله: "زادت آمالي بوصول علاقاتنا الثنائية إلى مستوى أفضل". ولكن هذا لم يجعله يستخدم لغة تصالحية تجاه مصر، التي قال إن القمع السياسي فيها قد يؤدي إلى الانفجار، وهي بالضبط اللغة التي تغضب القاهرة.