قبل نحو شهرين من الانتخابات البرلمانية التركية نشطت "الأيدي الخفية" في عمليات "إرهابية" تستهدف الاستقرار والأمن في تركيا بهدف التأثير على سير ونتائج هذه الانتخابات، وفق اعتقاد المراقبين وتصريحات مسؤولين أتراك. هذه الأحداث المكثفة وخلال 48 ساعة قد تكون مجرد بداية لإخلال الأمن في تركيا تزداد وطأتها كلما اقترب موعد الانتخابات في يونيو القادم. فمن يقف خلف هذه العمليات، ومن المستفيد، ولماذا تستهدف هذه الانتخابات بالذات، ومن المتهمون فيها؟
خصوصية الانتخابات البرلمانية
يجمع المحللون والمراقبون على أن الهدف من استهداف الأمن في تركيا للتأثير على هذه الانتخابات. فرغم أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يفوز في أي استحقاق انتخابي منذ عام 2002 إلا أن لهذه الانتخابات خصوصية عميقة، تتمثل برغبة الحزب الحاكم في تعديل الدستور وتعديل صلاحيات الرئيس لجهة منحه المزيد من الصلاحيات، وهذا التعديل يتطلب اكتساحا واضحا للعدالة والتنمية بما يشكل ثلثي عدد البرلمان ليتمكن من تحقيق هذه الإصلاحات، التي اعتبرها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مهمة ولا سيما "الضرورة في تحول نظام الحكم في تركيا إلى النظام الرئاسي".
هذا التحول وتعديل الدستور المرتقب، هو دافع الصراع السياسي بين فريق يرفض هذه التعديلات وبين فريق يسعى من خلال الطرق السياسية والمشروعة لتنفيذها، وهو ما يفسر خصوصية هذه الانتخابات وتوجه فريق لإرتكاب حوادث العنف الأخيرة.
العمليات التي ضربت تركيا مؤخرا
في غضون ال"48" ساعة الماضية شهدت الساحة التركية تسخينا عنيفا تمثل في (31|3) بانقطاع التيار الكهربائي عن عموم الأراضي التركية وهو الحدث الذي لم يحدث منذ 17 عاما. وقد صرح وزير الطاقة التركي بأن التحقيقات الجارية لاستكشاف إن اتقطاع الكهرباء عطل فني أم استهداف "إرهابي إلكتروني". ولكن كان الحدث الأكثر صعوبة على تركيا هو اقتحام مجموعة يسارية وفق ما أعلنت عنه السلطات التركية باقتحام قصر العدل في اسطنبول وأخذ مدعي عاما رهينة يحقق في مقتل طفل تركي في أحداث غيزي عام 2013. قوات الأمن التركية اقتحمت المحكمة وقتلت المهاجمين، ولكن المدعي العام فارق الحياة بعد جروح أصيب بها.
وفي (1|4) هاجمت إمرأة برفقة آخرين مقر شرطة أسطنبول بقنبلة قبل أن ترديها قوات الأمن صريعة. وتزامنت هذه الحوادث مع تبرئة القضاء نحو مئتي ضابط من الجيش كانوا يحاكمون بتهمة تدبير انقلاب على حزب العدالة والتنمية، ليزداد المشهد التركي تعقيدا. وقد قالت صحيفة "الحياة" السعودية في تقرير لها (2|4) "عاد الجيش إلى رفع صوته مجدداً، بعد تبرئة محكمة التمييز 236 عسكرياً وجنرالاً من تهم التخطيط لانقلاب ضد حكومة «العدالة والتنمية، باعتبار أن أدلة القضية مزيفة. وسط مطالبة بـ "محاسبة جميع المسؤولين عن هذه المؤامرة، وإخضاعهم لمحاكمة عادلة". كما تعرضت ثكنة عسكرية تركية لحريق دون الإفصاح عن أسبابه.
من يقف خلف الحوادث الأمنية
أعلنت قوات الأمن التركية أن المهاجمين لقصر العدل ينتمون إلى حركة تسمى " جبهة التحرير الشعبي الثوري» اليسارية المتطرفة، وفقا لوصف صحيفة الحياة. موقع "نون بوست" الإخباري عرض سيرة هذا التنظيم المصنف في تركيا وواشنطن بأنه تنظيم إرهابي، قائلا، "تُعَد جبهة التحرر الشعبي الثوري جبهة ماركسية لينينية كما تعرّف نفسها، تأسست عام 1978 كفصيل يساري ثوري على أيدي دورسون قره طاش الذي هرب من السجن عام 1989 ومات في هولندا عام 2006". وتابع "نون بوست"، الحركة "تستهدف بالأساس مسؤولين بالجيش وقوات الأمن، كما استهدفت من قبل العاملين التابعين للمصالح الأجنبية في تركيا، واغتالت رئيس الوزراء الأسبق نهاد أريم عام 1980، واغتالت مسؤولَين عسكريَّين أمريكيين في أوائل التسعينيات".
و منذ مطلع القرن الجديد، تبنت المجموعة عمليات التفجير الانتحاري، وقامت بعمليات محدودة استهدفت فيها الحافلات العامة ونقاط الشرطة والسفارة الأمريكية والوزارات ومقرات حزب العدالة والتنمية. و نشطت الجبهة مجددًا في أعقاب تظاهرات جَزي بارك2013.
من المستفيد من الحوادث الإرهابية
المستفيد الأول من هذه الأعمال، هي الحركة التي تورطت بهذه الجرائم السياسية. ولكن لا يخفى أن هناك أطراف محلية وإقليمية مستفيدة من التأثير على الانتخابات. الأطراف المحلية، كالمعارضة التركية وإن لم تكن متورطة فيها – حتى الآن على الأقل- فإنها مستفيد رئيسي من حوادث العنف.
الكاتب الصحفي التركي إسماعيل ياشا، واستنادا لتهديدات سابقة لبشار الأسد بانتقال "الإرهاب" إلى تركيا كعقاب لها على دعمها الثورة السورية، أشار بوضوح إلى ارتباط هذه المنظمة بالنظام السوري، متهما "علي كيالي" الذي قاد مجزرة بانياس السورية عام 2014، كان أحد قادتها وفقا لياشا، الذي وردت إفادته على حسابه في "تويتر". وأضاف ياشا، أن كثير من أعضاء هذه المنظمة هم من "الطائفة المعروفة" دون أن يسميها في إشارة إلى العلويين الأتراك المؤيدين لنظام الأسد، معتبرا أن تركيا تشهد أحداثا طائفية متعمدة. واستدعى ياشا التاريخ العثماني في مواجهة هذه الطائفة بذكر "السلطان سليم الأول" الذي اشتهر بعلاقة عدائية مع العلويين لا يزال العلويون يحملون ضغائنها حتى الآن، وفق ما يفهم من تغريدات ياشا.
مستفيدون آخرون
تفيد كتابات المحللين الأتراك بأن هناك أطراف إقليمة مستفيدة من تعطيل الديمقراطية التركية والانتخابات القادمة تحديدا. فالكاتب الصحفي محمد زاهد جول، كتب (1|4) مقالا بعنوان "ماذا تريد الإمارات من تركيا" اعتبر فيه أن دولة الإمارات تقوم باتصالات مع المعارضة التركية واتهمها بالتجسس على المصريين والفلسطينيين في تركيا بدون التنسيق مع المخابرات التركية". وقد يكون الكاتب التركي يلمح لاستفادة الإمارات من هذه الحوادث دون الإشارة إلى تورطها في أي أعمال عنف.
الناشط الحقوقي المصري هيثم أبوخليل المقيم في تركيا، نقل عنه "موقع رصد" المصري تدوينة له على حسابه "بالفيس بوك" في (1|4) قوله:" ما يستهدف تركيا مؤامرة قذرة"، ولكن المثير للاستغراب هو عدم استبعاده "إسرائيل والإمارات من المعادلة" على حد زعمه.
أما الإعلامي القطري جابر الحرمي فقد قال عبر تويتر: "كلما اقتربت الانتخابات في تركيا، ارتكبت أعمال إرهابية لإشغال أردوغان أملا في زعزعة موقفه وحزبه الانتخابي.. وفي كل مرة يخسر المتآمرون"، حسب تقديره.
أما الرئيس التركي أردوغان فقد قال في تصريحات، "إن الديمقراطية ليست نظامًا يستكين ويتخلى عن مضمونه ببساطة، أمام مثل هذا النوع من الهجمات الإرهابية، وينبغي على جميع المؤمنين بالديمقراطية، أن يقفوا صفًّا واحدًا في مواجهة أولئك الإرهابيين".
معركة أمنية وأخرى انتخابية
وبهذا تظل تركيا وحتى موعد الانتخابات البرلمانية في حالة ترقب وتوجس أمني وسياسي مع التهاب المنطقة بصورة عامة بما ينعكس على الداخل التركي. إذ تزامنت هذه الهجمات بانتزاع المعارضة السورية مدينة "إدلب" من يد النظام واتهامه لتركيا بدعم المعارضة المسلحة في هذه المعركة، إلى جانب وقوف تركيا إلى جانب "عاصفة الحزم" وإعلان موقع "ديبكا الإستخباري الإسرائيلي" (2|4) عن نية تركيا إرسال اسطول حربي للمشاركة فيها، ورد الخارجية التركية بقوة على تصريحات لنبيل العربي اتهم فيها تركيا بالتدخل في الشؤون العربية، لتزداد احتمالية التهديدات الأمنية والمستفيدون من إخلال الاستقرار والأمن فيها، لتخوض الديمقراطية التركية معركة انتخابية سوف تكون مؤشرا واضحا على خيارات الشعب التركي وتوجهاته التي لا تزال تؤيد "العدالة والتنمية" حسب أحدث استطلاعات الرأي.