منذ نحو أربع سنوات زادت القضايا التي تنظرها دائرة أمن الدولة في المحمكة الاتحادية العليا برئاسة القاضي فلاح الهاجري، و نظرت الدائرة في قضايا كثيرة بعضها ارتبط بمواطنين إماراتيين والبعض الآخر اربتط برعايا دول أجنبية، وبعضها ما هو مرتبط بمواطني دول خليجية وتحديدا دولة قطر. فكيف تعاملت أمن الدولة مع قضايا هذه الأطراف: الإماراتيين والخليجيين والأجانب، وكيف اختلفت المعاملة تماما بين هذه الأطراف، وهل سيأتي يوم يتمنى فيه المواطن أن يعامل معاملة الأجنبي في هذه القضايا، إن لم يتمنَ أن يحمل جنسية أخرى حتى يلقى "معاملة" يُحسد عليها الأجانب في قضايا أمن الدولة في الإمارات؟
أسيوي.. قضية "أمن دولة" أمام "الجنايات"
حُكم في فبراير 2014 على مقيم أسيوي بالسجن لمدة خمس سنوات لإدانته بالسطو على معلومات أمنية تخص أفرادا من جنسية هذا الأسيوي وتسليمها لسفارة بلاده في دولة الإمارات. وبالنظر لهذه القضية، فإن الأسيوي لم حوكم أمام محكمة أمن الجنايات وليس أمام "أمن الدولة"، بل اعتبرت قضيته جنائية رغم أن الموظف يعمل في وظيفة أمنية و"يتجسس" ويسرب معلومات أمنية. والمحاكمة أمام الجنايات تعطي المحكوم حق الاستئناف والنقض، وقد استأنف المحكوم الحكم وتم تثبيته لدى محكمة الاستئناف.
المدان الأسيوي والذي يصفه مراقبون بأنه "محظوظ" حوكم بموجب قانون العقوبات الإماراتي. وقد تواصل المدان بمحاميه وخضع لقانون الإجراءات الجزائية الإماراتي الذي يمنح المتهمين حقوقيا "جيدة". وسجن الموظف الأمني الأسيوي في سجون وزارة الداخلية المعلنة ويتمتع بكل حقوق السجناء. كما أن الموظف المدان لم يواجه حملة إعلامية تسعى "لإسقاطه" سعبيا وإخافة تواصل الناس معه، ولم يتم أذية أحد من عائلته أو أسرته. ولا أحد يدعو لأن يلاقي أي سجين صنوف التنكيل والتعذيب ولكن عرض الموضوع يتطلب هذه النوعية من الشرح.
ثلاثة بريطانيين في قضية أمن دولة
أعلنت وزارة الخارجية البريطانية الأسبوع الماضي أن الامارات أفرجت عن ثلاثة رجال بريطانيين اعتقلتهم لمدة شهرين "لمحاولة الاعتداء على أمن الدولة بعدما ألقت القبض عليهم أثناء مراقبتهم لحركة الطائرات في مطار إمارة الفجيرة". وقال متحدث باسم الوزارة "بوسعنا أن نؤكد أنه تم الإفراج عن ثلاثة مواطنين بريطانيين اعتقلوا في الفجيرة ، مضيفا "نحن نقدم مساعدة قنصلية" لهؤلاء الاشخاص.
وبحسب أقاربهم فإن البريطانيين الثلاثة هم من عشاق هواية مراقبة الطائرات التي تقوم على تصوير الطائرات وتسجيل أرقام لوحاتها، وهي هواية يمارسها كثيرون في بريطانيا. وكانت حكمت "دائرة أمن الدولة" على البريطانيين الثلاثة بالحبس شهرين وهي المدة التي قضوها أثناء إجراءات المحاكمة ليصار إلى إطلاق سراحهم.
وقد بدأت محاكمة البريطانيين وانتهت برعاية سفارتهم في الدولة، و"شهادة أقاربهم" برأتهم من "شبهة" تصوير أهداف لها طابع أمني قد يكونوا استغلوا الانطباعات السائدة عن هذه الهواية لتصوير المطار لأغراض "مشبوهة"، ومع ذلك فإن محكمة أمن الدولة أبدت تساهلا و"رحمة" في غير موضعها، كما يرى إماراتيون.
بوعسكور القطري .. قضية أمن دولة
وهذه الأيام تنظر محكمة أمن الدولة قضية "بوعسكور" كما تصفها مصادر قضائية وإعلامية محلية. وقبل الحكم على المتهم القطري الذي صرح باسمه الكاتب الإماراتي "حبيب الصايغ" في مقال بصحيفة الخليج بتاريخ (26|4) بعنوان، "بوعسكور" ويدعى حمد علي محمد علي الحمادي مستبقا حكم المحكمة للتشهير بالمتهم والتشهير بدولة قطر بصورة صريحة، بل ويطالب بتصعيد هذه القضية – بغض النظر عن دقتها- مع دولة قطر وإعادة أزمة "سحب السفراء"، وفي الوقت الذي منع "بوعسكور" من لقاء محام أو سفارته في الإمارات إلا أن الصايغ يطالب "بإعلان" متهمين قطريين في نفس القضية لمحاكمتهم فيما نسب إليهم من قضية الإساءة لرموز الدولة بإنشاء عدد من مواقع التواصل الاجتماعي. ويسرد الصايغ جزءا من محضر التحقيق مع المتهم القطري، ليتساءل إماراتيون لماذا لم تنشر التحقيقات مع البريطانيين والأسيوي أيضا.
الإماراتيون وقضايا أمن الدولة
يرى مراقبون أن أمن الدولة في الإمارات يبدي "تساهلا" و "تسامحا" مع قضايا أمن الدولة عندما يكون المتهمين رعايا أجانب، في حين أنه لا يتسامح نهائيا مع الإماراتيين في قضايا نشر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ضاربين مثلا باستمرار اختطاف الشقيقات الثلاث منذ شهرين ونصف دون معرفة تهمتهن أو مكان احتجازهن.
وقبل الشقيقات الثلاث والقضية المعروفة بقضية ال"94" فقد تم محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة بسبب التعبير عن الرأي بالتوقيع على عريضة الثالث من مارس، وحوكموا أمام هذه المحكمة التي لا تقبل أحكامها النقض والاستئناف كون أحكامها من درجة تقاض واحدة. وحوكم الإماراتيون بموجب قانون محكافحة الإرهاب وقانون أمن الدولة إلى جانب قانون العقوبات الإماراتي في المواد التي تنص على العقوبات الواقعة على الدولة وسلطاتها وحكامها.
كما أن كثير من الإماراتيين غير معروفي أماكن الاعتقال ولا السجن الذي يقضون به محكوميتهم، إضافة إلى ظروف الاعتقال التي تندد بها دائما منظمات حقوق الإنسان وتشير بصفة مستمرة لورود تقارير تفيد بتلقي الإماراتيين في سجن الرزين سوء المعاملة والتعذيب. وواجه الإماراتيون الذين يحاكمون بقضايا "امن دولة" حملات إعلامية شوهت سمعتهم وحرضت عليهم مجتمعيا ونالت من عائلاتهم وفق ما يؤكده المعتقلون بتعرض زوجاتهم وأبنائهم للاعتقال والاختفاء القسري والمنع من السفر.
ولا يزال يمكن تعداد المزيد في الفروق والمفارقات بين وضع الأجانب في الإمارات في نيل حقوقهم والحفاظ على كرامتهم في قضايا أمن الدولة بصفة خاصة، مقابل هضم حقوق الإماراتيين وسفح كرامتهم. فهل يأتي اليوم الذي يتمنى فيه الشعب الإماراتي أنه يحمل الجنيسة البنغالية أو النيبالية هربا من نار التفرقة والظلم؟ يتساءل إماراتيون بألم.