أكد قرقاش على ما أسماه "إيمان الدولة بإمكانية التوصل قريباً لحل سلمي لهذا الصراع" (الحرب في اليمن). قرقاش الذي تحدث مطولا أمام المجتمعين تجاهل تماما شهداء الإمارات في اليمن ولم يتطرق إليهم ولو بكلمة واحدة، مع تأكيده أن الحل في اليمن سيكون سلميا بعد أكثر من 70 شهيدا إماراتيا فضلا عن شهداء دول الخليج والتحالف الآخرين. الأمر الذي أثار استياء شعبيا على نطاق واسع وسط تساؤلات أكثر جدية من أي وقت مضى: ما دام أن الحل سيكون سلميا فلماذا الذهاب إلى الحرب، لماذا نقدم عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لماذا نرسل المزيد من قواتنا هناك، لماذا زيادة الأرامل والأيتام والثكالى في الإمارات، لماذا يؤكد تقرير الشفافية الدولية حول مؤشر الفساد في الدفاع الصادر الخميس (29|10) أن دولة الإمارات من بين أكثر خمس دول في العالم شراء للسلاح منذ عام 2010.

وفي الإشارة إلى تجاهل شهداء الإمارات، فعلى ما يبدو هناك قرار سياسي و إعلامي لتناسي تضحيات الشعب الإماراتي في اليمن. فقد كتب رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد" المحلية محمد الحمادي وهي من أكبر الصحف في الدولة مقالا اليوم (2|11) بعنوان "الحزم يصنع السلام في اليمن"، يقول،"..صحيح أن حجم الدمار والخراب الذي أحدثته مليشيات الحوثي وصالح يفوق كل تصور، إلا أن عزيمة الشعب اليمني ودعم الدول العربية.."، وهو ما دفع الناشطين إلى القول، الحمادي لاحظ حجم الدمار في المباني والشوارع ولكنه لم يتذكر حجم الدمار في الإنسان من خلال عشرات الشهداء الإماراتيين ليسقطهم من حسابات الانتصار واستثماره.

ورغم أن مليشيات الحوثي وصالح قتلت نحو 65 شهيدا إلا أن قرقاش لم يتوعد إلا "القاعدة" التي قتلت نحو 5 شهداء من أصل 70 شهيدا. وقال: "سوف نعالج وجود (القاعدة) في اليمن، رغم تعرض جنودنا لهجمات هذا التنظيم في عدن مرتين، وذلك لأن الإرهابيين يعرفون أن استراتيجيتنا هناك سوف تدمرهم في نهاية المطاف". فماذا بشأن استراتيجية الإمارات مع المخلوع ونجله الذي يعيش "آمنا حرا كريما" في أبوظبي، وماذا بشأن استراتيجية الدولة اتجاه الحوثيين؟

تابع قرقاش، "نأمل من جارتنا إيران أن تستخدم العرض المفتوح من قبل المجتمع الدولي، لتعزيز الاستقرار والنظام، بدلاً من الانقسامات والطائفية، ونحن نعتقد أنه إذا اتخذت إيران خطوات ملموسة وعملية لبناء الثقة وحل خلافاتها مع جيرانها العرب بالوسائل السلمية، فإن فرص الاستقرار النامية في جميع أنحاء العالم العربي سوف تنمو". ويأتي "التصريح الدبلوماسي" من جانب قرقاش بعد عدة تصريحات سابقة هاجم فيها إيران وتوعدها بالهزيمة في اليمن وسوريا وغيرها، فما الجديد لهذه اللغة السياسية مع دولة تحتل جزرنا وأراضينا منذ نحو 5 عقود.

ورغم مهاجمة الإعلام الإماراتي وإعلام خليجي آخر محسوب على توجهات أبوظبي السياسية، دعوة  سابقة لوزير خارجية قطر لحوار مع إيران، فقد دعا قرقاش في الملتقى ومن أبوظبي، وزير الخارجية الإيراني إلى حوار إيراني - خليجي يضم دول مجلس التعاون الخليجي، مضيفاً: "نحن لسنا ضد الحوار". 

وتأتي تصريحات قرقاش في ظل تفاقم التوتر في الخليج وترجيح احتمالات الصدام، بعد التعارض المتزايد بين مواقف الشعوب العربية وطهران في سوريا، وبعد تصريحات لوزير خارجية البحرين في "منتدى المنامة للأمن" في نسخته 11 والتي أكد فيها أن خطر إيران لا يقل عن خطر داعش. ولكن مراقبين يفسرون هذا التغيير في مواقف الدولة من إيران لتقاطع مواقفهما السياسية مع العدوان الروسي في سوريا، واتفاق هذه الأطراف على أجندة واحدة في دعم بشار الأسد.

بناء نظام عربي 

ومن بين النقاط الجوهرية التي تحدث عنها قرقاش وذات صلة بمجمل ما سبق، قوله "إن الإمارات تعمل بشكل وثيق مع اثنين من الأعمدة الرئيسة في العالم العربي، المملكة العربية السعودية، ومصر لمواجهة التحديات والتناقضات والفوضى، وسنقوم معاً بإعادة بناء النظام العربي". لقد بات معروفا حجم تباعد سياسات ومواقف أبوظبي والرياض في الفترة الأخيرة، وهذه المواقف تزداد تباعدا مقابل تقارب أشد بين الدولة ونظام السيسي، وهو ما دفع الناشطين للتأكيد أن القاهرة وأبوظبي هما من تسعيان لفرض رؤيتهما ونموذجهما في "بناء نظام عربي جديد"، فهل يفلحان؟ يتساءل الناشطون.