قدم ستراتفور تقريراً مطولاً عن تراجع أسعار النفط وأثرها على المنطقة العربية والعالمية بشكل عام، نتتبع في هذا التقرير ما جاء بخصوص دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وأثر تراجع النفط على السياسات الاقتصادية والإجرائية في المنطقة.
اقليمياً، ستعاني دول الجزائر والعراق وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل حاد إثر انخفاض أسعار النفط. فالميزانيات الحكومية ستخضع للكثير من التقليص حتى تتواءم مع الأسعار الحالية للنفط.
وكان البنك الدولي سابقاً قد كشف عن احتياجات دول الخليج للمحافظة على استقرارهم الاقتصادي عن طريق تحديد سعر برميل النفط، فالسعودية مثلاً تحتاج أن يكون سعر البرميل 98.3 دولار بينما تحتاج البحرين أن يصل سعر البرميل إلى 89.8 دولار وسلطنة قرابة 96.8 دولار. أما باقي دول الخليج فتحتاج سعر النفط أن يكون قرابة ال 70 دولار للبرميل الواحد.
ومع ذلك، فإن احتمال نجاح دول الخليج في تجاوز هذه الأزمة سيكون ممكناً، خاصة وأن هذه الدول تملك مستويات منخفضة من الديون مقابل احتياطات مالية مبينة منذ سنوات إثر عائدات النفط سابقاً، وعلى الرغم من أن البحرين هي الاستثناء الوحيد لأنها ليست منتجاً حقيقياً للنفط إلا أنه من الممكن اعتبارها تابعة بشكل أو بآخر للوضع في السعودية خاصة بعد التداخل السياسي الكبير الحاصل.
على المدى القصير يمكن القول أن دول الخليج ما زالت في مأمن جيد، لكن ذلك لا يعني أن دول الخليج ستكون آمنة لفترة طويلة. وهوما دفع هذه الدول الآن لبذل المزيد من التعديلات المالية للحفاظ على احتياطياتها العالية وتجنب الغوص في دين كبير لن تكون قادرة على سداده.
وخلال العام الحالي 2016، قامت دول الخليج بلا استثناء بخفض الإنفاق الحكومي وسن مجموعة من القوانين الناظمة لهذه التخفيضات.بحيث يتم تحميل المواطن جزءً من المسؤولية الاقتصادية أكثر من أي وقت مضى مثلما فعلت السعودية والإمارات وخفضت الإنفاق والدعم المخصص للوقود وبعض الخدمات الأساسية الأخرى، لكنها في نفس الوقت حافظت على انفاق عالِ على التعليم والخدمات الاجتماعية المختلفة.
البحرين من جهتها خفضت دعم المواد الغذائية لكنها تأخذ بعين الاعتبار إمكانية حصولها على دعم خارجي لتحقيق التوازن بين التخفيضات هذه.
وفي قياس غير مسبوق للكتلة الإقليمية في الخليج، تدرس دول الإمارات والسعودية وعمان وقطر والكويت إمكانية فرض جميع الضرائب على المواطنين لزيادة عائدات الدولة وهو أمر غير مسبوق في المنطقة الخليجية.
وتحظى السعودية بسبب كتلتها البشرية ومساحتها الكبيرة بالأهمية الكبرى في تتبع ردة الفعل الخليجية. فبالإضافة إلى التخفيضات المتأنية في الإنفاق الاجتماعي بدأت الحكومة بخصخصة بعض الأصول بدءً من ثلاث مطارات رئيسية، بل ناقشت الرياض بشكل واضح مسألة خصخصة جزء من شركة النفط العربية المعروفة باسم أرامكو في طرح عام أولي لقياس ردة الفعل.
ستعمل الخصخصة على تنويع مصادر التمويل لهذه الشركات ولكنه إجراء محفوف بالمخاطر السياسية وقد ألمح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن الإصلاحات ستأخذ وتيرة سريعة حتى يؤكد للملك قوة الاقتصاد خلال فترةوجيزة.
ولكن على الأسرة الحاكمة في السعودية أن تكون حذرة في التحرك السريع نحو الخصخصة خاصة مع وجود عشرات من الخطط على الطاولة الآن،عدا عن أن السخط داخل الأسرة الحاكمة على خطط الملك أو ولي العهد بات أمراً لا مفر منه. في الوقت نفسه تواجه السعودية خطراً إقليمياً كبيراً إثر عودة إيران إلى الاقتصاد الدولي والصراع المستمر في اليمن وهذا يعني أن ميزانيات الدفاع والدعم الخارجي يجب أن تبقى مرتفعة وتقف في وجه أي تخفيضات محتملة في الميزانية.
إيران، من جهتها ووسط هذه الانخفاضات في أسعار النفط ستترقب بحذر انتخابات فبراير المقبلة، ولعل نجاح روحاني في حسم الانتخابات سيكون من السهولة بمكان خاصة مع التطورات الحاصلة بفلك الحصار والتوافق مع الغرب ودخول مزيد من السيولة المالية للبلاد وهو ما سيسهل هزيمة المحافظين في الانتخابات.
لكن المعارضة تستخدم حجج اقتصادية في مواجهة روحاني كذلك، فالمعارضة تقول أن السياسة الاقتصادية لروحاني لا تعمل، وانخفاض أسعار النفط سيجعل الحجج هذه صحيحة، فرفع العقوبات عن طهران سيزيد من حجم صادراتها من النفط، ولكن انخفاض الاسعار إلى أقل من 70% عما كانت عليه في 2014 سيدفع بالإيرادات إلى الانخفاض إلى مستوى أقل مما كانت عليه قبل عامين.
وقد لا يشعر الناخبون الإيرانيون بهذا الأثر إلا بعد الانتخابات وهذا يعني أن روحاني في طريقه لتحقيق نتيجة ايجابية في الانتخابات البرلمانية المقبلة لكنه في 2017 سيشهد التحدي الأكبر في الانتخابات الرئاسية خاصة مع تكشف الحقيقة حول أسعار النفط وآثار انخفاضها على الاقتصاد الايراني.