شهد عام 2011 ربيعا عربيا في عدة دول عربية، سرعان ما تحول إلى خريف بفعل الثورة المضادة التي بدأت إرهاصاتها في الدولة بحملة قمع مكثفة ضد الإماراتيين عامة وفق ما أكدته ندوة عقدت الثلاثلاء (22|3) في مجلس العموم البريطاني حول مستقبل الإمارات بعد 5 سنوات من إطلاق عريضة الثالث من مارس. فكيف كان قمع الإماراتيين عاما وشاملا في حين لم يسجن إلا العشرات ولم ينكل إلا بالمئات؟
سيطرة الأمن وعسكرة المجتمع
كانت ردة فعل جهاز الأمن باعتقال العشرات وزجهم في السجون على خلفية العريضة هي التصرف المباشر والسريع. غير أن جهاز الأمن وجهات تنفيذية وأمنية داعمة قررت توجيه رد فعل طويل الأمد وعميق الأثر لا يستثني في الإمارات أحدا: طفلا أو شابا أو طالبا أو موظفا رجلا أو أمرأة. لذلك، بدأ جهاز الأمن ورشة كبرى من إجراءات وقرارات كان من أشدها وطأة هو قانون التجنيد الإجباري الذي حول حياة فتية الإمارات وزهراتها إلى حياة عسكرية ومخابراتية تخدم توجهات جهاز الأمن لا الدولة والشعب والأرض كمفاهيم عامة.
ولم تكتف السلطات ببرنامج التجنيد الإجباري لتأهيل الطلاب نفسيا وجسديا حول قضايا عامة، وإنما تخصصت بزراعة ثقافة أمنية في المناهج بدءا من الروضة والمدارس وحتى الجامعات وما بينهما برنامج التجنيد الذي تمت زيادة مدته من 9 شهور إلى سنة الشهر الجاري لمواكبة مطالب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال قبل ساعات من قرار زيادة مدة التجنيد إن أبوظبي مستعدة لمحاربة الإرهاب في "أي مكان".
معسكر "مغامرات"
من بين الأدوات الخطيرة التي بدأ يستغلها جهاز الأمن و وزارة الداخلية المتهمة قياداتها بتعذيب معتقلي الرأي، هو تنظيم معسكرات للفتية والشباب في أعمار (16-18) عاما "للتمهيد لبرنامج التجنيد الإجباري، وكأن البرنامج بحد ذاته ليس كافيا لاختطاف ذهني لأجيال كاملة من الشعب الإماراتي يتشربون عقيدة أمنية و "وطنية" ليس معروفا من وضعها و ما هي أهدافها والمخرجات المتوقعة منها، باستثناء ما يعرفه الإماراتيون عن تاريخ جهاز الأمن ويتوقعون بناء على تلك المعرفة أن تتخرج أجيال وطلاب الإمارات بعيدة عن القضايا الوطنية الحقيقية والملحة والأخطار المحدقة بالدولة كالخطر الإيراني وخطر المليشيات الشيعية التي تهدد تراثنا ومتاحفنا ومكتسباتنا وفق آخر تهديدات "وقحة" شنها الحشد الشعبي الشيعي العراقي الإيراني الإرهابي ومسؤولون عراقيون كبار.
فتحت رعاية الشيخ سيف بن زايد وزير الداخلية، تنطلق فعاليات معسكر «مغامرات» الطلابي في دورته الثانية هذا العام بمشاركة نحو (1000) طالب بالتعاون والشراكة مع القوات المسلحة، ووزارة التربية والتعليم، ومجلس أبوظبي للتعليم، وهيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، وبرنامج خليفة لتمكين الطلاب.
وقال اللواء الركن طيار الشيخ أحمد بن طحنون آل نهيان:"هذه المعسكرات تعد فرصة ثمينة للطلاب لإعدادهم وتجهيزهم ذهنياً وبدنياً لتجربة الخدمة الوطنية، .. وذلك سيسهم في تحفيز وبث روح الحماسة في نفوس الطلبة، ويغرس في نفوسهم قيم الولاء والانتماء للوطن، وتعميق الروح الوطنية في وجدانهم"، على حد قوله.
علما أن مادة التربية الوطنية التي تعتبر مادة أمنية بامتياز موجود ليس فقط في جميع مراحل التعليم وإنما حتى في جميع مواد التعليم في التربية الإسلامية واللغة العربية ومواد الدراسات الاجتماعية الأخرى فضلا عن الأنشطة الصفية اللامنهجية والأنشطة كافة لتحقيق "قيم الولاء والانتماء للوطن".
تساؤلات حول "معسكر مغامرات"
تؤكد التسمية بحد ذاتها أنها موجهة لليافعين بهذا العمر الذي يستهوون روح المغامرة بانطلاقتهم الوثابة حيث المخاطرة لا المغامرة وحيث الاندفاع لا الدافعية وحيث هم صفحات بيضاء تسلم لحبر وأقلام ضباط جهاز الأمن في الأجهزة المختلفة، وكلهم تأثروا بتجربة الأمن المصري القمعي أو استنسخوا تجربة ضابط الأمن الفلسطيني الهارب محمد دحلان، فكيف سيكون هذا الشاب اليافع بعد هذه المعسكرات التي تسبق التجنيد ببضعة أشهر فقط، كيف سيكون مواطنا صالحا، وما هو مفهوم المواطن الصالح لديه، وكيف سيكون طالبا جامعيا، ثم موظفا، وكيف سيكون أبا وزوجا ومسؤولا وقد تربى كل هذه التربية الأمنية والعسكرية؟
هو ذات العمر الذي نفرض عليه معتقدات جهاز الأمن وبعض الجهات ونقدمها له على أنها الوطن تارة وانها الدين تارة حسب ما هو أكثر إقناعا وإحكاما للسيطرة، وهو ذات العمر الذي تتخطف به جماعات العنف هؤلاء اليافعين المتحمسين، وهو ذات العمر الذي تدين به الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من استخدام الأطفال في الحروب والصراعات. ماذا تصنع الداخلية والأجهزة الأمنية بشعب الإمارات، كيف سيكون شكل هذه الدولة بعد 20 عاما بعد وصول جيل كامل من هؤلاء إلى كل ميادين ومجالات الحياة ومؤسسات الدولة؟