وصل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى العاصمة الروسية موسكو الأربعاء، في أول زيارة لملك سعودي، بالوقت الذي ستحتفي فيه روسيا بأسبوع الثقافة السعودي.
وإذا كان مفهوماً سبب الاحتفاء الكبير بزيارة أول ملك سعودي إلى روسيا، فإنه مفهوم أيضاً أن يراقب العالم نتائج هذه الزيارة، وربما أكثر المهتمين بمراقبة تفاصيل هذه الزيارة، الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظلت الحليف الأكثر أهمية للسعودية منذ أكثر من 70 عاماً.
في المقابل، أقامت الرياض علاقات مع موسكو في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومنذ ذلك الحين سعت الأخيرة إلى تدفئة علاقاتها مع المملكة، وكان أبرزها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العاصمة الرياض عام 2007، إلا أنها لم تنجح -على ما يبدو- في تدفئة العلاقات مع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حسبما تشير صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية.
وبعد أن توفي الملك عبد الله عام 2015، تولى الملك سلمان وابنه الشاب مقاليد الأمور بالسعودية، وفي ظل عدم اليقين الجيوسياسي ومع تساؤلات كثيرة أحاطت بالعلاقة مع أمريكا وانخفاض أسعار النفط، يبدو أن كلاً من السعودية وروسيا أعادا النظر في طبيعة العلاقات بينهما.
يقول ثيودور كاراسيك، المختص بالشؤون الخليجية: إن "علاقة السعودية وروسيا تتجاوز علاقات المصالح المشتركة، فروسيا ظلت تعمل على تقوية هذه العلاقات رغم أنف أمريكا، ومحمد بن سلمان (ولي العهد) زار روسيا مرتين مؤخراً".
زيارة الملك السعودي إلى روسيا ستركز -بحسب الصحيفة- على سياسات الطاقة، حيث من المتوقع أن تتوصل السعودية وروسيا إلى اتفاق للتعاون بشأن إنتاج النفط، وربما ستُوضع اللمسات الأخيرة على صندوق بقيمة مليار دولار للاستثمار في الطاقة بالمملكة، التي تسعى لتنويع اقتصادها؛ ومن بين تلك المساعي زيادة الاستثمار الخارجي.
يقول فهد نزار، المستشار بالسفارة السعودية في واشنطن، والذي كان يتحدث للصحيفة باسمه لا باسم السفارة: إن "موسكو أصبحت قوة سياسية لا يمكن إنكارها بالشرق الأوسط، والسعودية تقدر ذلك وتقدر علاقاتها معها وتعتبرها علاقات متعددة الأبعاد".
الملف السوري شكَّل سابقاً أهم العوائق أمام علاقة الرياض بموسكو، "فحتى العام الماضي، كانت روسيا تدعم بشار الأسد رئيس النظام السوري، في حين وقفت السعودية إلى جانب معارضيه، ولكن ومرة أخرى يبدو أن الحقائق تغيرت".
يقول مارك كاتس، وهو متخصص بالشأن الروسي: إن "السعودية تعترف الآن بأن الأسد باقٍ في السلطة، وكل ما يأمله الملك سلمان من زيارته إلى موسكو هو مساعدتها له للوقوف بوجه النفوذ الإيراني، وستبقى العلاقات الاقتصادية بمثابة حافز لموسكو مقابل الوقوف ضد تمدُّد إيران، ولكن من غير الواضح ما يمكن أن تفعله موسكو للحد من ذلك النفوذ، وإذا كانت غير قادرة أو لا ترغب في الحد منه، فإن التجارة والاستثمارات السعودية لن تتحقق".
وبحسب الصحيفة، فإن "ما يعني واشنطن بشأن زيارة الملك سلمان إلى موسكو غير واضح، فهي تأتي في وقت تصاعدت فيه حدة التوترات بين روسيا وأمريكا، كما أنها تأتي في وقت يدعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الرياض بقوة، حتى كانت أول دولة خارجية يزورها ترامب عقب توليه السلطة، ولكن ما يعتقده الكثير من المراقبين أن زيارة الملك السعودي إلى موسكو تأتي بسبب عدم يقين الرياض من نوايا واشنطن بالشرق الأوسط".
ويرى بروس ريدل، زميل معهد بروكينجز والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن "السعوديين يدركون أن روسيا عادت كلاعب رئيس إلى المنطقة بعد انتصاراتها في سوريا، كما أن السعودية محبَطة من ترامب، الذي خيَّب آمالها في موضوع قطر عقب فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً وقطيعة على الدوحة"، بحسب ترجمة خاصة لـ"الخليج أونلاين".
وتتساءل "واشنطن بوست": "هل يمكن أن تستبدل الرياض علاقتها الطويلة مع واشنطن والتي بدأت بأول لقاء بين الرئيس فرانكلين ومؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود عام 1945، بأخرى مع موسكو؟ على الأغلب لا، ولكن هناك رغبة في الوقوف قريباً من روسيا، وهناك دعم في السعودية لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع روسيا".