يأتي افتتاح مدينة الشارقة للنشر كأول منطقة حرة للنشر في العالم، تجسيداً حياً لرؤى إمارة الشارقة، وحاكمها الشيخ سلطان القاسمي، الذي أكد منذ أربعة عقود أن الكتاب هو الوسيط المعرفي الذي يجمع ثقافات العالم، ويفتح نوافذ جديدة للتلاقي والحوار مع مختلف الحضارات والبلدان، لتشكيل محور محرك لسوق الكتاب في المنطقة العربية.
مشروع طموح
يعتبر هذا المشروع أحد مشاريع هيئة الشارقة للكتاب والذي سيشكل رافداً للمخزون الثقافي والفكري في الإمارات والعالم العربي في مجال صناعة المعرفة، يهدف إلى توفير بيئة استثمارية حاضنة للناشرين والعاملين في قطاع النشر من مختلف بلدان العالم، عبر سلسلة من التسهيلات والمرافق الخدمية على مستوى الطباعة، والترخيص، والتوزيع، بحسب القائمين عليه.
وتمتد مدينة الشارقة للنشر على مساحة تصل إلى 40 ألف متر مربع، موفرة 300 مكتب مجهز ومؤثث لأصحاب الأعمال ورواد النشر، و6000 متر مخصصة للراغبين في مساحات خاصة بأعمالهم، كما تضم أكثر من 20 قاعة اجتماع، ومخازن، ومرافق خدمية، وفرعاً للإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بالشارقة، ومركز بيانات، والعديد من الخدمات الداعمة للناشرين.
وبحسب ما صرح به أحمد العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب فإن الطاقة الاستيعابية للمدينة في مرحلتها الأولى، تصل إلى 550 مؤسسة وشركة، كما ستوفر المدينة منصة تتضمن بيانات ومحتويات 16 مليون كتاب بمختلف اللغات صدرت خلال الفترة الماضية، بحيث يمكن للناشرين إعادة طباعتها بسهولة وتحديثها والتعديل عليها.
كما أشار العامري إلى استقبال المدينة طلبات من أكثر من 150 مؤسسة عاملة في قطاع النشر، ومن أبرزها مذكرات تفاهم تم استلامها وتوقيعها مع مجموعة انغرام للمحتوى من الولايات المتحدة الأميركية، ومجموعة مطابع ريبرو من الهند، وتضع المدينة خططاً مدروسة لتوفير قدرة طباعية تصل إلى مليون كتاب في اليوم خلال مراحلها المقبلة.
خطوة ضمن سلسلة خطوات
ويعد هذا المشروع ضمن سلسلة مشاريع في مجال تكريس الشارقة كمعلم ثقافي ومصنع للمعرفة على مستوى العالم والتي سعى إليها حاكم الشارقة والذي تم اختياره عام 2015 شخصية العام الثقافية، في "مهرجان زهرة المدائن"، وذلك تقديراً لدور في النهضة الثقافية محلياً وعربياً، وما سبق ذلك من إقامة مجمع للغة العربية، ليكون عوناً ومسانداً للمجامع العربية في مختلف أقطار العالم العربي.
كما يأتي هذا المشروع ضمن الاستعدادات لتكون الشارقة العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019 وهو اللقب الذي حصلت عليه تقديراً لاهتمام الشارقة بالكتاب واعتباره أساساً للعملية المعرفية والعلمية والثقافية، بعد أن حصلت على لقب عاصمة الثقافة العربية وعاصمة الثقافة الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية.
توفير البيئة القانونية
ومع أهمية هذا المشروع لإمارة الشارقة وللدولة بصفة عامة، فإن نجاحه يتطلب بحسب مراقبين، بيئة قانونية تحمي الحرياتلا سيما ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير التي شهدت تراجعاً لافتاً بحسب ما تؤكده التقارير الدولية.
فقد صدر المؤشر العالمي للحرية 2017، الصادر عن مؤسسة فريدوم هاوس، والذي يقيس مستوى الحرية لـ195 دولة حول العالم. وأظهر التقرير وضعا صعبا للغاية لدولة الإمارات على هذا المؤشر السنوي.
وبحسب المؤشر، فقد أحرزت دولة الإمارات 20 نقطة فقط من أصل 100 نقطة. تمثل المئة أفضل وضع للحريات في مجال حرية الصحافة ومجال حرية الانترنت، والصفر يمثل انعداما تاما للحريات في هذين المجالين.
وبهذا الحصاد "المتواضع جدا"، بحسب وصف ناشطين، صنفت منظمة فريدوم هاوس دولة الإمارات بأنها "غير حرة".
أما منظمة "مراسلون بلا حدود" فقد قالت إن دولة الإمارات حافظت على موقعها المتأخر في مؤشر حرية الإعلام لعام 2017، من أصل 180 دولة، وهي ذات المرتبة لعام 2016، دون أن تقدم يذكر ما يؤكد استمرار محنة الحريات الصحفية في الدولة، مع بقائها ضمن الدائرة الحمراء والتي تعني أن وضع الصحافة فيها "صعب".
وكانت السلطات في دبي أوقفت مؤخرا لمدة شهر كامل موقع "أربيان بيزنس" عن العمل رغم أنه يعمل في منطقة حرة، لنشره تقريرا عن أوضاع العقارات في دبي، مع أن الموقع حذفه واعتذر عن نشره.
يضاف إلى ذلك تصريحات رئيس اتحاد الكُتاب والأدباء العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد الإمارات، حبيب الصايغ حول محاكمة من قال إنهم أصحاب النصوص المسيئة للدول والقيادات دون أن يوضح ماهية الإساءة، ما يفتح الباب لكثير من التفسيرات القضائية والأمنية أمام المبدعين والناشرين.
لذا تبرز الحاجة هنا لمراجعة القوانين المتعلقة بالنشر وحرية الرأي والتعبير لتوفير بيئة تساهم في نجاح مشروع مدينة الشارقة للنشر، لتجاوز أي هاجس أمني قد يعيق الكتاب والناشرين من المساهمة في هذا المعلم الحضاري للدولة لتكون الشارقة منارة للثقافة والفكر العربي والإسلامي والدولي.