قال صحفي سعودي بارز إن الرياض تتسبب في "فوضى عارمة" في لبنان، وإن تصرفات ولي العهد محمد بن سلمان التي وصفها بالمتهورة تزعزع أمن الخليج والمنطقة برمتها.
ففي مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية كتب جمال خاشقجي أن السعودية خلقت مشكلة لنفسها مع بعض أقوى حلفائها وهم السنة اللبنانيون.
وانضم السنة في لبنان إلى طوائف أخرى في المجتمع، بعضها لا يكن مودة للسعودية، في المطالبة بعودة رئيس وزرائهم سعد الحريري الذي قدم استقالته من الرياض.
ثمة مأزق آخر صنعه محمد بن سلمان ويتعين عليه إيجاد مخرج منه، ويتمثل في استحالة انتخاب رئيس وزراء جديد للبنان ما لم يرجع الحريري إلى وطنه.
وبحسب خاشقجي فإن للسعودية مبرراتها لإعلان الحرب على حزب الله الحليف الوثيق لطهران، لكنها لم تعد تفرق بينه وبين الحكومة اللبنانية. وكان الديوان الملكي السعودي أعلن أن إيران تجاوزت الخط الأحمر.
وطالما كان الاندفاع والتهور سمة من سمات محمد بن سلمان الثابتة، من الحرب في اليمن إلى موجة الاعتقالات التي طالت عددا من الأمراء وكبار المسؤولين بتهم تتعلق بالفساد.
واعتبر خاشقجي أن الإجراءات الصارمة ضد لبنان تأتي انعكاسا للحصار الذي فرضته السعودية وثلاث دول أخرى هي الإمارات والبحرين ومصر على قطر، إذ اتسمت بالمباغتة وانعدام المجال للتفاوض.
ومضى إلى القول إنه على الرغم من نبرة الخطاب السعودي واحتجاجات اللبنانيين ومطالبهم، فليس لبيروت من الإرادة السياسية ولا للسعودية قدرة على مواجهة حزب الله. ذلك أنه لا توجد قوة قتالية في لبنان قادرة على مقارعة القوة العسكرية لتلك الجماعة المسلحة.
والشيء المؤكد أن السعودية لن توظف "مواردها الشحيحة" في شن حرب أخرى في وقت ما يزال الصراع في اليمن مشتعلا.
وماذا عن إسرائيل؟ يتساءل خاشقجي قبل أن يعقب قائلا إذا صحت التقارير التي تحدثت عن اجتماعات انعقدت الشهر الماضي بين محمد بن سلمان وجاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي وصهره بشأن احتمال توجيه ضربة لحزب الله، فإن الأمور تأخذ معنى جديدا بالنظر إلى الأحداث التي أعقبت ذلك.
فلبنان يجد نفسه في وضع صعب فهو يريد علاقات سياحية واستثمارية جيدة مع السعودية، لكنه يرى في الوقت نفسه ما يفعله حزب الله في الداخل، والأهم من ذلك ما يقوم به في الجارة سوريا حيث تخوض عناصره غمار حرب هناك دعما "لطاغية"، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد.
ولقد ظلت السعودية تاريخيا تحاول التأثير على الساحة السياسية في بيروت، ومنعت رعاياها من السفر إلى لبنان في فبراير 2016، ولوّحت بمقاطعة الحكومة اللبنانية ما لم تقطع صلاتها بحزب الله. لكنها أيضا وافقت على تسوية انتُخب بموجبها ميشال عون رئيسا للبلاد، وهو الذي تربطه علاقات وثيقة مع حزب الله، إلى جانب انتخاب سعد الحريري رئيسا للوزراء في محاولة منها لاستمالة حلفاء حزب الله الرئيسيين إليها من أجل إحداث شرخ في صفوف حليف أساسي لإيران.
ويرى كاتب المقال في استقالة الحريري مؤشرا واضحا على أن ولي العهد السعودي لم يعد يفضل ممارسة ضغوط عبر قنوات خلفية على لبنان، ولعل مرد ذلك -من وجهة نظر خاشقجي- إلى تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يحتفظ بعلاقة قوية مع محمد بن سلمان.
فالاثنان -محمد وترمب- يمقتان إيران وحزب الله، وتشاطرهما إسرائيل هذا الشعور. فهل سيدعم ترمب السعوديين إذا ما اختاروا منازلة حزب الله في حرب أو بحصار على غرار حصار قطر؟ سؤال يرى خاشقجي أن إجابته تكمن في أن السعوديين سيكونون بحاجة إلى مساعدة ترمب لهم حينها.
وختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن تصرفات محمد بن سلمان "المتهورة" تزيد من حدة التوتر وتقوض أمن دول الخليج والمنطقة برمتها.