تحاول المملكة العربية السعودية التصدي لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. الآن، بعد هزيمتها في سوريا، وصعوبة الصراع في اليمن، يبدو أن السعودية قد اختارت لبنان ليكون جبهة جديدة لصراعها مع إيران، بحسب ما ذكره بلال صعب، الباحث في قضايا الأمن بالشرق الأوسط، في التقرير الذي نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية.
لنَكُن أكثر دقة، تستهدف السعودية «حزب الله» في لبنان، الحزب الشيعي الذي يقيم تحالفًا قديمًا وعميقًا مع إيران، والذي تحوّل إلى قوة إقليمية هائلة بفضل المساعدات المالية والعسكرية السخية والمستمرة التي تقدمها طهران. عززت هذه المساعدات كذلك من دور حزب الله في عملية صنع القرار في ما يتعلق بالأمن القومي اللبناني، وساعدته على التصدي لإسرائيل، وعلى دعم نظام بشار الأسد في سوريا، ودعم الميليشيات الشيعية في كل من البحرين، والعراق، واليمن.
وجدت السعودية أن حزب الله يسيطر بشكل كامل على السياسة اللبنانية؛ لذلك قررت مواجهته بشكل أكثر فعالية، إذ حمّلَت الحكومة اللبنانية مسؤولية نشاط حزب الله في المنطقة، وبالأخص دعم المتمردين الحوثيين في اليمن. وكانت البداية في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، إذ أجبرت رئيس وزراء لبنان «سعد الحريري» على الاستقالة أثناء تواجده في الرياض، وفقًا لتقرير «فورين أفيرز».
أشار الكاتب إلى أن السعودية لم تثق في نية الحريري، أو قدرته على تنفيذ سياستهم الجديدة المتشددة على حزب الله؛ لذلك قرروا إبعاده عن منصبه. لكن السعودية لم تتوقف عند هذه النقطة، إذ أرادت زيادة الضغط على حزب الله؛ لذلك تم سحب جميع الودائع السعودية من البنوك اللبنانية، وطرد المواطنين اللبنانيين من السعودية، بهدف الإضرار بالاستقرار المالي للبلاد. وأضاف الكاتب أن الهدف من وراء خلق السعودية أزمة داخلية في لبنان، هو تشتيت حزب الله ومنعه من التوسع، أو تعزيز مشاركته في ميادين القتال في جميع أنحاء المنطقة.
يقول الكاتب إن السعودية مُحقّة في قلقها من نشاط حزب الله في لبنان واليمن وغيرهما، وأن عدم خضوع الحزب لمساءلة حقيقية من جانب الحكومة، وتجاهله سيادة الدولة، وامتلاكه مخزونًا من الأسلحة، يؤكد أن الحزب سوف يعيق مشروع بناء دولة قوية في لبنان، ويهدد أمن العديد من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة. على الرغم من ذلك، فإن عزم السعودية على تخريب لبنان سياسيًّا واقتصاديًّا لإضعاف حزب الله، لن يكون في مصلحة أي طرف، بحسب ما ذكره الكاتب.
وأوضح الكاتب أن دعم الرئيس ترامب للقيادة السعودية –متمثلة في الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- بشكل تام، جعل السعودية أكثر جرأة في مواجهة إيران، فكانت النتيجة ما قامت به في لبنان. لكن بعض التقارير أشارت إلى أن البعض من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية قد حثوا نظراءهم السعوديين في واشنطن على التراجع عن خطوة لبنان، وعدم استخدامه ميدانًا لحربها ضد إيران، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت السعودية تنوي التراجع أم لا.
لماذا يجب على الولايات المتحدة التدخّل؟
بعض التقارير أشارت إلى أن بعض كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية قد حثوا نظراءهم السعوديين في واشنطن على التراجع عن خطوة لبنان، وعدم استخدامه ميدانًا لحربها ضد إيران.
يجب على الولايات المتحدة إيقاف خطط السعودية في لبنان لثلاثة أسباب، وهي:
أولًا، لأن ما تقوم به السعودية يجعلها تفقد حلفاءها في لبنان؛ مما يقوّي من موقف حزب الله.
ثانيًا، الخسائر المادية التي ستتكبدها الولايات المتحدة نتيجة زعزعة الاستقرار في لبنان أكثر من الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها من الحرب -التي لا تزال غير واضحة المعالم- ضد حزب الله.
ثالثًا، يمكن مواجهة حزب الله بطريقة أفضل دون تقويض لبنان بأكمله.
أشار الكاتب إلى أن ما تقوم به السعودية تسبب بالفعل في إثارة استياء الكتلة السُنّية في لبنان، والتي يفترض أن تكون الحليف الأهم للسعودية في لبنان، فهم لا يقبلون أن يتم إذلال زعيمهم بهذا الشكل؛ إذ إن حبهم لبلدهم أقوى من كراهيتهم لحزب الله. بالإضافة إلى ذلك، فإن السنة في لبنان قلقون بشدة –كغيرهم- مما يمكن أن تفضي إليه ظروفهم المعيشية وثرواتهم الاقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن التقلبات السياسية والصعوبات الاقتصادية يمكن أن تشتت حزب الله لكنها لن تضعفه؛ إذ يستطيع الحزب إيجاد بديل للحريري دون عناء، كما يمتلك الحزب السلاح الذي يمكّنه من إسكات معارضيه إذا ما حدث صراع بين السنة والشيعة في لبنان. جدير بالذكر أن حزب الله قد تأسس في بداية ثمانينات القرن الماضي، أي في خضم المرحلة الأعنف في تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية، وبالتالي فهو قادر على النجاة في حالة الفوضى. في الواقع، لا يعُد حزب الله خارقًا للعادة، لكن أحد أهم أسباب هيمنته، هو ضعف خصومه في لبنان وانقسامهم.
يقول الكاتب إن إحداث فوضى في لبنان سوف يتمدد؛ لتشمل الفوضى المنطقة، مما سيعود بالنفع على أعداء الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتنظيم القاعدة. بعد إنفاق الولايات المتحدة الكثير في محاولتها لإنهاء وجود «داعش» في العراق وسوريا، فإنها بالتأكيد لن ترغب في حدوث حالة من الفوضى في لبنان، قد تعطي «داعش» فرصةً لإعادة التجمع، كما تُوفِّر أرضًا خصبة لغيره من التنظيمات المتطرفة.
علاوة على ذلك، فإن لبنان يُعد نموذجًا للتعايش الطائفي، والذي يمكن أن يكون مفيدًا للغاية للدول التي عصفت بها الحرب الأهلية مثل العراق وسوريا واليمن. بالطبع، ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على هذا النموذج من الانفتاح الديني، الذي يعد سلاحًا قويًّا ضد المزيد من التطرف في المنطقة.
حلول أفضل
إن إحداث فوضى في لبنان سوف يتمدد؛ لتشمل الفوضى المنطقة، مما سيعود بالنفع على أعداء الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران وتنظيم «داعش» وتنظيم القاعدة.
أشار الكاتب إلى أنه يمكن للسعودية تحقيق هدفها المتمثل في إضعاف حزب الله بطريقة أفضل. يمكنها التعاون مع الولايات المتحدة لفرض عقوبات مالية أكثر صرامة على حزب الله، بدلًا من محاولة هدم الاقتصاد اللبناني الذي يعاني لاستيعاب نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، على الرغم من أن عدد سكانه لا يزيد على ستة ملايين.
يمكن للسعودية كذلك تقديم الدعم المالي لحلفائها في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقرّر إجراؤها في مارس 2018، في محاولة للحد من التأثير السياسي لحزب الله.
وأشار الكاتب إلى أنه على كل من السعودية والولايات المتحدة التعلم من التاريخ إذا ما أرادتا تحقيق مصالحهما، فقد أثبت التاريخ في عدة مناسبات -آخرها الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006- أن اتخاذ لبنان –المنقسم بالفعل- ميدانًا للحرب دائمًا ما يؤدي إلى كارثة أكبر وإضعاف أكثر للبلاد.