لم تعد مواقف باريس والرياض متطابقة بخصوص رؤيتهما الجيوستراتيجية المشتركة لمنطقة الخليج، بل ثمة ما جعل فرنسا ترى أن السعودية لم تحترمها، حسب ما جاء في صحيفة لاتريبيون الفرنسية.
وقد أبرزت الصحيفة مسألتين قالت إنهما محل خلاف بين البلدين أولاهما سياسية تتعلق بمواقف فرنسا من قضايا في الشرق الأوسط، أما الثانية فتتعلق بإصرار السعودية على تصفية شركة أوداس التي تمثل مصالح المجموعات التجارية الفرنسية بالسعودية.
قضايا جيوسياسية
فالبلدان مختلفان حول القضايا الجيوسياسية المتفجرة مثل إيران ولبنان وقطر، إذ تنقل لاتريبيون عن خبراء في سياسة الشرق الأوسط أنهم كانوا قلقين للغاية، وأن المنطقة جُنّبت -بضغط من واشنطن- أزمتين رئيسيتين، أولاهما عندما كانت السعودية على وشك حسم خلافها مع قطر عسكريا، وثانيهما عندما كانت ستتبع ذلك بقصف للبنان.
وذكرت في هذا الصدد أن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال زيارته للسعودية يومي 15 و16 نوفمبر الماضي أكد للملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان ولنظيره عادل الجبير أن ما يهم فرنسا هو "تجنب أي نوع من التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان" وأنها تريد "احترام مبدأ السيادة في المنطقة".
لكن الصحيفة نقلت عن مصادر قولها إن علاقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وابن سلمان -رغم أنهما من جيل واحد- اتسمت أحيانا بالشد والجذب وهو ما تجسد مثلا في انزعاج ماكرون من اشتراط ابن سلمان وقف الشركات الفرنسية تعاملها مع إيران لكسب عقود تجارية مع السعودية، إذ كان رد الرئيس الفرنسي بأن "فرنسا لا ينبغي مخاطبتها بهذا الأسلوب"، وهو ما رأت فيه لاتريبيون صحوة سياسية وإعادة توجيه للدبلوماسية الفرنسية تجاه الرياض عبر الابتعاد عن الانحياز المعهود خلال حكم الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند للسياسات السعودية.
واستغربت الصحيفة هذا الضغط على الشركات الفرنسية رغم أن شركات أميركية مثل بوينغ تتعامل مع إيران، معتبرة ذلك نوعا من "الكيل بمكيالين".
أوداس "انتهى الأمر"!
استخدمت لاتربيون عبارة "أوداس.. انتهى الأمر" عنوانا لتقريرها عن تكرار السعودية المطالبة بتصفية شركة أوداس (التي كانت تمثل مصالح المجموعات التجارية الفرنسية بالسعودية)، قائلة إن ذلك يعني بالعربية "طفح الكيل".
وذكرت أن ابن سلمان كان قد أرسل في العام 2015 رسالة إلى السلطات الفرنسية المعنية قال فيها إن "وزارة الدفاع السعودية ترغب في وضع حد لكل علاقة لها بشركة أوداس الفرنسية".
لكن فرنسا -رغم هذا الخطاب الواضح- لم تحرك ساكنا تقريبا مما نتج عنه تهميشها بشكل شبه كلي فيما يخص الرهانات الحالية في السعودية، فمنذ ثلاث سنوات انخفضت بشكل كبير للغاية العلاقات الثنائية العسكرية بين البلدين إذ لم تشتر الرياض من باريس خلال العام 2015 سوى ما قيمته 193.5 مليون يورو و764 مليون يورو خلال العام 2016 وهذا أقل بكثير من 1.9 مليار يورو في العام 2013 و3.6 مليار يورو في العام 2014.
وقد أعلنت فرنسا من خلال رسالة أرسلتها وزيرة دفاعها الجديدة أنها أدخلت تغييرات عميقة على كيفية إدارة شركة أوداس من أجل "ضمان أمن المملكة" لكن لا يبدو أن ذلك كاف بالنسبة لما يريده ابن سلمان، إذ إن السعودية "تريد أن تتعامل وزارة دفاعها مباشرة مع شركات تصنيع السلاح الفرنسية دون وسيط" كما تريد أن "تضمن الدولة الفرنسية هذه العقود تقنيا وقانونيا من خلال المديرية العامة للأسلحة".
وأوضحت لاتربيون أن ثمة من يدعو إلى إعادة بناء العلاقات السعودية الفرنسية في مجال التسليح (وهي في أدنى مستوياتها الآن) بحيث يكون التعامل بين الدولتين مباشرة، لكن الحكومة الفرنسية تتلكأ في ذلك إذ تخشى من عواقب تكفل الدولة الفرنسية بالضمان في العقود التجارية.
من ناحية أخرى ترى لاتربيون أن من مصلحة فرنسا المحافظة على أوداس بحكم ما لدى هذه الشركة من تجربة في التعامل مع السعودية.