يرى ديكلان وولش، مراسل صحيفة “نيويورك تايمز″ أن الأزمة القطرية العالقة مع التحالف الرباعي الذي تقوده السعودية والإمارات والبحرين ومصر لا تحلها النقود فقط. وأنها قد تطول وسط محاولات التخلص من النظام وفشل الحصار و”الحسد” والتحالف بين وليي العهد في السعودية وأبو ظبي.
أمير قطر كان يحلم أن يكون لاعب تنس
وقال وولش: الشيخ تميم يواجه أزمة كبيرة تتمثل بالحصار الجوي والبري والبحري المفروض على بلاده من جيرانها حيث أجبرت الطائرات المتجهة لقطر على تغيير مسارها وقطعت العلاقات الدبلوماسية وأغلق الممر البري الوحيد له والبالغ طوله 40 ميلا بشكل عزل الإمارة الصغيرة الغنية. ولم يقتصر المنع على البشر بل وعلى الحيوانات فقد طردت السعودية 12.000 جملا كانت ترعى بسلام في أراضي السعودية حيث أدت عملية الطرد لتدافع على الحدود.
مواقف ولي العهد السعودي
وكانت قطر واحدة من خطوات قام بها محمد بن سلمان والتي شحنت الأجواء بالشرق الأوسط وكانت تهدف إلى الحد من تأثير إيران الإقليمي.
ويعتقد أن الخلاف مع قطر هو الأقل فهما من التحركات التي قام به الأمير ولكنه يحمل تحديدا بعدا شريرا. وأشار للجدل وتبادل الشتائم بين سلطان بن سعد المريخي ونظيره السعودي في اجتماع للجامعة العربية بالقاهرة عقد في سبتمبر وأعطى حسا بوجود “خلاف عائلي”، فهناك قاسم مشترك بين السعوديين والقطريين والإماراتيين انهم ينتمون لنفس القبائل البدوية ومسلمون ويأكلون نفس الطعام. ولهذا فخلافهم يحمل ظلال “شجار بين أولاد العم” ولكنه واحد يتسلحون فيه بمليارات الدولارات والمقاتلات الأمريكية. واتخذ الخلاف منعطفا خطيرا في الأسبوع الماضي عندما اتهمت الإمارات قطر باعتراض طائرتين من طائراتها وردت الدوحة بالتكذيب والقول أن الإمارات هي من اخترقت أجواءها.
الشيخة موزة
ويفرد الكاتب مساحة للشيخة موزة بنت ناصر المسند، 58 عاما، والدة تميم ، ويقول إنها من أشهر نساء العالم العربي ومعروفة بزيها ودعمها لقضايا التعليم. وتتحدث الشيخة موزة في الأمم المتحدة وتزور مخيمات اللاجئين وكسيدة أولى. وبنت قاعدتها من خلال مؤسسة متعددة المليارات وأنشأت أوركسترا خيرية مكونة من موسيقيين جلبوا من 30 دولة وبنت مستشفى تعليميا بقيمى 8 مليارات دولار وأقنعت عددا من الجامعات الأمريكية فتح فروع لها في قطر بما فيها جامعة نورث ويسترن وكارنيغي ميلون وتكساس إي أند أم. واشترى القطريون جزيرة في اليونان وقلعة فرنسية واماكن مهمة في لندن مثل متجر هارودز ولديهم حصص في مطار هيثرو ومبنى شارد. واستخدم القطريون ثروتهم لتأكيد استقلاليتهم عن جيرانهم، خاصة أن السعودية التي تعتبر أكبر بـ 186 مرة عاملت جارتها كدويلة تابعة. إلا أن القطريين أكدوا استقلاليتهم كوسطاء ودعموا الربيع العربي حيث قال الأمير تميم لبرنامج (60 دقيقة) “لقد وقفنا مع الشعوب” و الأخرين “ووقفوا مع الأنظمة وأعتقد أننا مع الطرف الصحيح”.
“الهوس″ بتميم يوحد بن سلمان وبن زايد
وكان الأمير يستطيع عمل ما يريد من خلال ثروته والقاعدة العسكرية الامريكية إلا أن الرياض وأبو ظبي كانت تراقب وعقد الأميران حلفا في الصحراء، وذلك أثناء رحلة صيد للصقور والتي يكلف اصطياد صقر فيها حوالي 250.000 دولار في رحلة ملكية. ففي شباط (فبراير) سافر الأميران إلى الصحراء في شرق السعودية وجاءت بعد رحلة صيد في فرنسا وويلز ووطدت العلاقة بينهما. ويقول ديفيد روبرتس من كينغز كوليج- جامعة لندن إنهما “شخصان متشابهان ويريان ضرورة التحرك في الأوقات غير العادية” وما يوحدهما هي فكرة وضع تميم في مكانه. وحتى وقت قريب كان التنافس بين العوائل الحاكمة في الخليج هو من يملك أغلى شيء واطول بناية في العالم أو يستقبل مباريات كأس العالم او من يملك أغلى لوحة كما فعل بن سلمان الذي دفع 450 مليون للوحة رسمها دافنشي متوفقا على مشتريات قطر للوحة سيزان. ويهاجمان بعضهما البعض من خلال الإعلام، الجزيرة للقطريين . وفي الإعلام المصري تعرضت الشيخة موزة لهجمات بذيئة. إلا أن أصل الخلاف سياسي. ورغم خسارة قطر الربيع العربي إلا أن جيرانها ظلوا ينظرون إليها نظرة شك.5
ويقول وولش إن أزمة الخليج بدأت بسلسلة من الاخبار المزيفة. واندلع الخلاف القديم بشأن آلاء الصديق، وهي زوجة معارض إماراتي يعيش في الدوحة منذ عام 2013. وبعد نشرها مقالا على موقع الجزيرة حول وضع المرأة في الخليج طالبت الحكومة الإماراتية بتسليمها، ورفض الأمير تميم بن حمد تسليمه، حيث أخبر أحد الدبلوماسيين أنه يخشى من تعرضها للتعذيب. أما الحادث الثاني هو دفع فدية عن 26 قطريا اختطفتهم جماعة شيعية موالية لإيران في جنوب العراق. واعتبرها الناقدون لقطر أنها تعبر عن استعداد الشيخ تميم التصرف بتهور.
القرصنة الإماراتية للوكالة القطرية
ولكن بعد عودتهم إلى قطر قام مساعدو الأمير بإيقاظه من نومه حيث قام أحدهم بالقرصنة على وكالة الأنباء القطرية وزيفت أخبارا على لسانه بأنه وصف إيران بالقوة العظمى ومدح حركة حماس وتوقع عدم استمرار الرئيس ترامب بالسلطة. وكان التقرير مجرد فبركة إلا أن جيران قطر انتهزوا الفرصة وسارع المعلقون في الإمارات والسعودية وشجبوا الدوحة. واتصل الشيخ تميم بسرعة مع الوزراء لحذف المقال. معتقدا أن المشكلة قد حلت. وجلس ليشاهد مباراة كرة السلة بين غولدن ستيت واريرز وسانت أنطونيو سبيرز. ولكن المشكلة بدأت. وصعدت القنوات التلفزيونية الإماراتية والسعودية الهجوم على قطر واتهمتها بتهديد الأمن الخليجي. وانضمت للحملة عدة مراكز بحث محافظة في واشنطن للجوقة. وفي 5 حزيران (يونيو) أعلنت الحصار بدون تحذير. وحتى ينسب الفضل له كتب ترامب تغريدته التي قال فيها إنه سمع أثناء زيارته في كل مرة ذكر فيها الإرهاب اسم قطر. وأكدت المخابرات الأمريكية أن من زرع القصة كانت الإمارات والتي تقوم بالدفع من أجل حصار الدوحة منذ عام2016. وقال مسؤول لصحيفة “نيويورك تايمز″: ” كل الادلة تقود إلى أبو ظبي” مقر ولي العهد محمد بن زايد، مستشهدا بتقرير استخباراتي” لا غموض”. وأكثر من هذا قال المسؤول إن الأمير محمد بن سلمان كانت لديه معرفة بالخدعة ومنح موافقته. ونفى يوسف العتيبة، سفير الإمارات بواشنطن وبشكل قاطع الاتهامات ورفض التعليق”
الحصار انقلب على المحاصرين
وترك الحصار اثارا عكسية على الدول المحاصرة. فقد دفع قطر إلى علاقات أوثق مع إيران وعزز من شعبية الأمير تميم وتزين صوره اليافطات والمعلقة على ناطحات السحاب مع الأغاني الوطنية. وعلقت دانا فرادان “أصبح يجسد صورة الفيلسوف- الملك”. ويقوم الوزراء في الحكومة مدفوعين بالضرورة ببناء علاقات تجارية جديدة وطرق نقل. وللتعويض عن الألبان والحليب الذي كان يستورد من السعودبة فقد أنشأوا مصنعا للألبان من لا شيء في الصحراء. ووصلت الأبقار إلى مطار الدوحة من أوروبا وأستراليا وكاليفورنيا. ويقول إن الوطنية حلت محل العلاقات “الأخوية” بين دول الخليج. ومنع الحجاج القطريين من السفر إلى مكة كما قالوا وأصبح التعاطف مع قطر جرما في البحرين والسعودية والإمارات.
دول الحصار أساءت تقديراتها ولا شيء تخسره قطر
و يعتقد وولش أن لا شيء يقترح قرب نهاية الأزمة قريبا مع أن السعوديين والإماراتيين ربما أساءوا قدرة الحصار للضغط على قطر ولكنهم يشعرون أن لا شيء سيخسرونه لو واصلوا الحصار. ويقول ديفيد روبرتس المحلل في كينغز كوليج، بجامعة لندن “أعتقد أنهم رضوا بالإبقاء على قطر تنزف” إلا أن انتقال الخلاف للأجواء واتهامات الإمارات لقطر باعتراض طائراتها التجارية فقد تصعد الأزمة من جديدة. ويقوم كل طرف بتعزيز قدراته العسكرية. ومنذ وصول تميم إلى السلطة فقد اشترى 36 مقاتلة أمريكية أف15 و24 تايفون بريطانية و 24 رافال الفرنسية وهو زيادة سبعة أضعاف عن 12 مقاتلة في الوقت الحالي. وفي كانون الأول (ديسمبر) أعلن منافسوه السعوديون والإماراتيون عن تحالف عسكري- إقتصادي. وبعد أيام استقبل تميم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبحفاوة كبيرة في مطعم “إيدام”في الطابق الأعلى من متحف الفن الإسلامي الذي يقدم رؤية بانورامية متلألئة للدوحة. وعلى مأدبة العشاء التي اعدها الشيف ألي دوكاس وقع الأمير والرئيس على صفقة شراء 12 طائرة فرنسية. فعلى مدار عقود تحولت قطر من بلد مجهول يتوقف فيه القراصنة لأغنى بلد في العالم.