ظلت محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية الوقعة بالمحيط الهندي، في منأى عن النزاع الدائر في البلاد منذ أكثر من 3 سنوات، لكن الجزر، التي تمتاز بتنوع نباتي وحيواني نادر في العالم، باتت خارجة عن سلطة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وتتعرض لعبث غير مسبوق.
ووفق تقرير رفعه نشطاء إلى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بات أرخبيل سقطرى، المكون من 6 جزر تحت سيطرة تامة لدولة الإمارات.
والإمارات هي ثاني أكبر دول التحالف العربي، وتُحكم قبضتها أيضاً على غالبية المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، والمحررة من الحوثيين.
وخلال الأشهر الماضية، تزايدت الاتهامات لدولة الإمارات باستغلال غياب سلطات الدولة وذلك بالتصرف في أراضيها وتنوعها النباتي والحيواني.
وكانت السلطات اليمنية قد حصنته بقرار جمهوري في العام 2000، نص على "منع إخراج أي مواد من الجزيرة، حفاظاً على نظامها البيئي وتنوعها الحيوي ومحمياتها الطبيعية".
وفي مطلع فبراير الماضي، وجّه الرئيس عبدربه منصور هادي، السلطات بـ"وقف التصرف بأراضي جزيرة سقطرى" التي تبلغ مساحتها 3796 كيلومتراً مربعاً، بعد تزايد الاتهامات للإمارات.
لكن السلطات الإماراتية لم تصدر أي تعليق رسمي على ذلك، وتعتبر تواجدها في الجزيرة بأنه من أجل تقديم الخدمات الصحية والإنسانية كما هو الحال في باقي المحافظات المحررة.
الجزيرة مطمع دائم للغزاة
وتحتوي الجزيرة على أكبر تجمع نباتي يزيد عن 270 نوعاً من النباتات المستوطنة التي لا توجد في أي دولة بالعالم، بالإضافة إلى أنواع من الطيور المستوطنة والنادرة.
وظلت الجزيرة، التي تشتهر بأنها موطنٌ لشجرة "دم الأخوين"، هدفاً للغزاة حسب الروايات التاريخية، حيث حاول الإغريق والفراعنة والفرس والروم السيطرة عليها، كما احتلها البرتغاليون والبريطانيون.
وعند اندلاع الحرب في اليمن أواخر مارس 2015، ظلت الجزيرة بعيدة عن الصراع نظراً لعدم وصول الحوثيين إليها.
وبدأ التواجد الإماراتي في صورة تدخلات إنسانية، عقب الإعصار الذي ضربها أواخر العام 2015، وفقاً لاتهامات ناشطين موالين للحكومة.
"الجزيرة يحكمها إماراتي"
ومنذ الأحداث، التي شهدتها العاصمة المؤقتة "عدن"، أواخر يناير الماضي، تزايدت الأحاديث عن أجندة أخرى تسعى دولة الإمارات لتنفيذها.
فعلاوة على دعم الانفصاليين الطامحين لاستقلال جنوب البلاد عن شماله، تُتهم الإمارات ببسط سيطرتها التامة على المناطق الحيوية والاستراتيجية المحررة وتسخيرها لمصلحتها، وعلى رأس تلك المناطق، جزيرة سقطرى، التي تلقب بـ"أرض الأحلام".
وخلال الأعوام الماضية من الحرب، قام الرئيس اليمني، بتغيير 3 محافظين لسقطرى، لكن الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها قرابة 50 ألف نسمة، ظلت تخضع لتصرف مسؤول إماراتي بات بمثابة الحاكم الأول لها، ويدير المحافظين المعينين من الشرعية، وفقاً لاتهامات حكومية.
وأفاد تقرير صادر عن نشطاء، تم رفعه إلى هادي، أن محافظة أرخبيل سقطرى " تمر بمنعطف خطير"، من حيث إرثها السياحي الفريد.
ويشير كذلك إلى أن سواحل الجزيرة تم بيعها لمسؤول إماراتي يدعى "خلفان المزروعي"، ويكنى بـ"أبو مبارك"، وذلك بتوثيق المحافظ أحمد بن حمدون السقطري، وأن بوابات الجزيرة، المطار والميناء، خرجا عن مسؤولية الدولة والسلطة الشرعية.
ويتحدث التقرير، أن محافظ سقطرى، أحمد بن حمدون، قام بتمكين، ثلاثة مسؤولين إماراتيين هم "خلفان المزروعي"، "سعيد الكعبي"، المكني بـ" أبو سالم"، و"سلطان الكعبي"، كافة الأمور في سقطرى، والذين قاموا بدورهم بإقالة مدير ميناء الجزيرة، سالم الدعهري، بعد إصراره على تفتيش الصناديق الكبيرة، التي قال التقرير إنها "تنقل ثروات سقطرى"، إلى الإمارات.
ويتهم التقرير، السلطات الجديدة للميناء، التي عينتها الإمارات، بالسماح باستقبال سفن عملاقة تحتوي على صناديق فارغة، وذلك لنقل أحجار وأشجار وثروات سقطرى بمختلف أنواعها.
محمية السلاحف والشعب المرجانية
وتمتلك جزيرة سقطرى محميات طبيعية وأشجاراً نادرة في العالم، والتي أوصت المنظمات الدولية، بضرورة حمايتها، إلا أن خروجها عن سلطة الدولة، جعلها تتحول إلى مجرد سلعة.
وكشفت مذكرة رسمية، مطلع فبراير الماضي، عن قيام السلطات ببيع محمية السلاحف في منطقة "عبلهن"، وتشييد سور على شواطىء المحمية.
وطالبت محافظ المحافظة، بإلغاء عملية توثيق عقود البيع، وحماية أراضي الجزيرة.
ولم يتوقف الأمر عند بيع محمية السلاحف، لكن الأمر امتد إلى بيع وتصدير الشعب المرجانية في الجزيرة.
نقل أحجار سقطرى إلى الإمارات
بالإضافة إلى الاتهامات بنقل الأشجار والطيور النادرة، قامت السلطات، بنقل الأحجار التي تمتاز بها الجزيرة إلى الإمارات، وفقاً للمذكرة.
وحمّل وكيل سقطرى، عبدالجميل عبدالله، قائد النقطة البحرية، مسؤولية السماح بتصدير الأحجار من الجزيرة وعرقلة عملية التفتيش في الميناء من قبل جهاز الأمن السياسي ( المخابرات).
ولفت إلى أن اجتماعاً رسمياً، برئاسة المحافظ، خرج بضرورة إصدار توجيهات كتابية في مسألة التصدير والحصول على تراخيص من مكتب البيئة.
وقال الوكيل الثاني للمحافظة، رمزي محروس، في مذكرة رداً على عبدالله، منتصف العام 2017، إن محافظ سقطرى أقر بأنه "لا مانع من خروج الأحجار من الجزيرة".
سواحل الجزيرة
كما تم تسوير ساحل جزيرة سقطرى على امتداد خط الميناء بالكامل، والذي كان يحظر التصرف فيه سابقاً.
ووفقاً للتقرير، الذي وصل الرئيس اليمني هادي ، فإن المسؤول الإماراتي "أبو مبارك" هو من اشترى الأرض ويديرها أحد أبناء الجزيرة ظاهرياً.
ويضيف التقرير أن مسؤولاً إماراتياً قام تسوير الأرض كاملة من الميناء إلى المصنع ونصب عليها حراسات من ذوي الجنسية الهندية الذين استقطبتهم الإمارات مؤخراً. ولا يسمح لأي شخص بالاقتراب من ميناء مصخر نظراً لسرية عمليات الإنزال التي تنقل أشياء ثمينة.
وتحدثت وسائل إعلام إماراتية عن تعميق القناة الملاحية للميناء، وذلك من أجل استقبال سفن عملاقة، في حين يقول السقطريون إن الجزيرة ليست بحاجة لاستقبالها وأن السفن الكبيرة تثير الريبة.
كما يتهم التقرير المسؤول الإماراتي، بالاستيلاء على مساحات كبيرة في مناطق "دكسم" و"نوجد" بالشريط الجنوبي، واستحداث كواسر بحرية لتسهيل دخول السفن الشخصية التابعة له.
وقال التقرير، إن المسؤول الإماراتي، أبا مبارك، قام باستحداث طرقات برية جديدة إلى مواقع سياحية تعد محميات طبيعية، ويمنع أي استحداثات بداخلها حسب توصيات المنظمات الدولية.
موقف الحكومة الشرعية
ومنذ اندلاع الحرب، قبل أكثر من 3 سنوات، قامت الحكومة الشرعية بتعيين 3 محافظين لأرخبيل سقطرى، آخرهم أحمد عبدالله السقطري، خلفاً لسالم السقطري. المتهم بالولاء للإمارات والمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، وذلك لإثبات وجود الدولة على الجزيرة ووقف التدخلات.
غير أن الصدمة تبقى في تحول ولاء المحافظين للإمارات بشكل مباشر، عقب تعيينهم، وبينهم أحمد بن حمدون الذي يُتهم بتمكين الإمارات من جميع مفاصل الجزيرة، وفقاً لاتهامات حكومية.
ومطلع فبراير الماضي، أمر هادي بـ"وقف التصرف بأراضي وعقارات الدولة في سقطرى بمحمياتها المختلفة، وإيقاف أي تصرفات فيها تحت أي مسمى كان"، في إشارة للدور الإماراتي.
ونفى المحافظ السابق للجزيرة، سالم السقطري، ما راج باستئجار الإمارات للجزيرة بعقود رسمية، وقال إن دور الإمارات لا يختلف عن دورها في بقية المحافظات المحررة.