شنّ كتّاب وصحفيون مقرّبون من الحكومة السودانية انتقادات إعلامية للسعودية خلال الأيام الماضية، ما أثار تساؤلات حول أبعاد هذا التطوّر اللافت، وما إذا كان يمثّل وجهة النظر الحكومية في الخرطوم.
السخط على سياسات السعودية نحو الخرطوم تزامن مع ضائقة اقتصادية يعانيها السودان، منذ مطلع العام الحالي، ما زاد من الغضبة الإعلامية على الرياض، التي تعتبرها الخرطوم حليفة استراتيجية، بعد أن قطع السودان علاقاته مع إيران من أجلها.
ويعاني السودان من شحّ في النقد الأجنبي، منذ انفصال الجنوب عام 2011، وفقدان ثلاثة أرباع موارده النفطية، التي تمثّل 80% من موارد النقد الأجنبي، و50% من الإيرادات العامة للدولة.
وشهدت ميزانية العام الحالي عجزاً مقدّراً يبلغ 28.4 مليار جنيه (4.11 مليارات دولار)، تشكّل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
- هل تخنق الرياض الخرطوم؟
وتعدّ موجات النقد الإعلامية التي استهدفت الحكومة السعودية هي الأولى في السودان منذ سنوات، وكذلك من المرات النادرة التي تكون الرياض محل انتقاد الصحافة السودانية.
وألمحت الصحافة السودانية إلى أن اقتصاد السودان يتعرّض للاختناق من جراء بعض تصرفات الرياض.
وكتب الوزير السابق، رئيس تحرير صحيفة "مصادر" (خاصة)، عبد الماجد عبد المجيد: "مثلما أعدنا صياغة طريقة تعاملنا الظرفي والاستراتيجي مع عدة دول من حولنا وبعيداً عنا (..) ومثلما أقدمنا على هذه الخطوة وبشجاعة (التدخل السوداني في اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية)، نحتاج أن نعيد صياغة أسئلة تعاملنا الظرفي والاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية".
أما رئيس تحرير صحيفة "السوداني" الخاصة المقرّبة من الحكومة، ضياء بلال، فكتب قائلاً: "يضاعف شُعُور السُّودانيين بالإحباط والغضب العاتب أنّ بنوك الدولة الصديقة المملكة العربية السعودية ما تزال مُمتنعةً عن إنجاز تحويلات السُّودانيين المُقيمين بها، بينما سبقتها في ذلك بنوكٌ أمريكية وأوروبية".
ويمضي قائلاً: "هذا الموقف يُشعِرُ السُّودانيين بأنّ المملكة لا تُسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية عنهم، بل تُسهم في تأزيم وتشديد الخناق عليهم، ونربأ بأرض الحرمين الشريفين عن فعل ذلك".
ويقارن بلال بين الموقف السعودي والقطري قائلاً: "الرأي العام السُّوداني يُقارن الموقف السعودي بمَوقف دولة قطر، رغم عدم مُساندة السُّودان لها في مُواجهة الحصار المَفروض عليها، ولو في حُدُود إبداء التعاطف".
إلى ذلك يرى الكاتب الصحفي محمد لطيف أن "دوافع المملكة نحو مصر تختلف عن السودان"، معتبراً أن "السعودية ليس في رصيدها القدر من الثقة الذي يجعلها تُسهم في دعم الحكومة السُّودانية بذات دعمها لحكومة السيسي في مصر، باعتبار أنها من ساهمت في وجودها، على خلاف حكومة البشير التي لا تتلقّى دعماً مماثلاً لمصر".
من جهته يعتبر الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة الأحداث الإلكترونية، عادل الباز، الطرح القائل بأن السعودية لا تدعم السودان لأن البشير وحكومته إسلاميون غير موفّق، مستبعداً في الوقت نفسه أن تغيّر الخرطوم مواقفها الإسلامية لأجل أن تحظى بدعم سعودي.
وقال: "إذاً ليس من مصلحة السعودية الآن وتاريخياً دفع السودان دائماً إلى أحضان أعدائها".
تركيز الإعلام السوداني على السعودية جاء بعد أيام من نشر الوكالة السودانية الرسمية للأنباء "سونا"، الأسبوع الماضي، خبراً عن وديعة استثمارية إماراتية تبلغ 1.4 مليار دولار من الإمارات، الحليف الأكبر للسعودية.
وهي الوديعة التي أثارت جدلاً كبيراً؛ بعد أن ذكرت وسائل إعلام سودانية أنه لا توجد وديعة إماراتية، بل هي أرقام أوردتها الوكالة الإماراتية الرسمية للأنباء "وام" ضمن تقرير لها ترصد فيه الدعم الإماراتي للسودان في السنوات الماضية.
ويغذّي الغضب على الحليفين -السعودية والإمارات- في وسائل الإعلام السودانية تجاهل الدولتين لأزمات السودان.
ووفق وكالة الأناضول للأنباء، فإن الصحفي السوداني، ماجد محمد علي، يرى أن "الكتابات التي يتبنّاها صحفيون يمثّلون قادة الرأي العام، ومقرّبون لدرجة كبيرة من الحكومة، وبينهم كتاب إسلاميون تبوّؤوا مناصب حكومية، تهدف إلى لفت انتباه حكام السعودية إلى التزامها تجاه الخرطوم، التي قطعت علاقاتها مع إيران لأجلها وشاركتها حربها".
ولا يستبعد علي أن يكون هذا التصعيد "معبّراً عن رؤية مستقبلية تجاه السعودية وحلفائها، لا سيما أنها تتوجّس من الإسلامين الذين يحكمون السودان، ما يقود إلى انسحاب تدريجي للسودان من التحالف العربي والإسلامي؛ طالما أنه يجد منهم تجاهلاً في أزمته".