لم تزل وزارة التربية في طور التجارب والمحاولات من أجل تحسين الأداء وتقديم أفضل ما يمكن للطالب والمجتمع، ولم تزل الوزارة تعمل بجهد جهيد على تخطي النمطية، والتحول من الاعتيادي إلى الاستثنائي، ولكن كل هذه الخطوات تواجه متاعب ومنغصات وعقبات وكبوات وأحياناً سهوات.
نؤمن إيماناً تاماً من أن النيَّة صادقة، والطاقات جنود مجنَّدة من أجل الوصول إلى الأحسن، والذين يعملون في هذه الوزارة جلهم من أبناء الوطن، وكل منهم يتخذ مكانه ومكانته في المسؤولية والالتزام لأداء الواجب الوطني، ولكن ما ينغص على الوزارة ويعرقل جهودها هو هذا الإحساس بأن هناك ثوابت منهجية لا يمكن تخطيها، الأمر الذي يعيق كل الجهود الأخرى، فأعتقد لو خطر على بال المسؤولين في الوزارة، أن يحضروا بجرأة وأن يتخطوا المثل القديمة، ويعلنوا صراحة أن المنهج الحالي، لا تفيده مساحيق التجميل، ولا التعديلات الطفيفة، بل كل ما يحتاجه إعادة النظر كلياً بالمنهج، وتقليبه، وغربلته، ليصبح ملائماً لحاجة المجتمع أولاً، وقدرات الطالب ثانياً.
فأعتقد أن تكديس المواد بالجملة على الطالب، منذ المرحلة الابتدائية الأولى، وحتى المرحلة الثانية وإدارة المنهج بالحشو، وملء الفراغ الذهبي، بمواد مختلفة الكم والكيف، ثم مطالبة هذا الطالب بأن يكون عبقرياً، فذاً نافعاً واستثنائياً.. فهذا لا يمكن أن يحصل بأي حال من الأحوال لأن الإنسان ملكات، وقدرات، ومواهب، وميول، فإذا تصادمت هذه كلها بأكياس وأكداس من المواد فإنه لا بد من وجود الخلل، وقد تكون هناك قدرات استثنائية لدى فئة قليلة، لكننا نتحدث عن المجموع، هذا المجموع حسب المنحنى الاعتدالي لعلم قياس القدرات لا يمكن أن يتحمل كل هذا الكم الهائل من المواد.. ولو فكرنا في التخصص المبكر، وشرعنا في تنفيذ المهمة، بعد دراسة وتمعن وتمحص وفحص دقيق، أعتقد أننا لن نخسر شيئاً بل إن هذا التوزيع الجغرافي للمواد والتخصصات سيفيد الطالب كثيراً، ويعنيه على اكتشاف قدراته مبكراً، كما أنه سوف يحميه من انحناءات الظهر، إثر الحمولات اليومية لحقائب تنوء حملها الجبال الشم، وتميد الأرض.