عندما يكتب المحللون الغربيون عن احتمالات مصير الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1)، فإن البعض يعالج القضايا المتعلقة بهذا الموضوع بطريقة غير واقعية وسخيفة في بعض الأحيان، مثل أولئك الذين يقولون بوقوع طلاق محتمل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وأن المعسكر الأمريكي على وشك إعداد "رد غير مألوف" بالوقوف على الحياد أو عقد صفقة مع إيران!!
كيف تستقيم هذه التحليلات مع علمنا أن وزارة الدفاع الأمريكية وإسرائيل وبالطبع دول الخليج يعملون على نزع سلاح إيران وفرض عقوبات عليها، وخاصة بعد سعي إيران إلى الاستقلال في صناعة السلاح، وامتلاك البرنامج النووي، وقرب توقيع اتفاق بشأن ذلك البرنامج، وهذا الاتفاق سيثبت أن العالم ليس ضيعة مملوكة للولايات المتحدة تتصرف فيه كيفما تشاء.
ومن ضمن جهود هذه الأطراف أيضًا تدشين درع مضادة للصواريخ في منطقة الخليج، والتي تعد جزءًا من منظومة الدروع الصاروخية العالمية التي تقيمها أمريكا، مثلما فعلت في شرق أوروبا، والقبة الحديدية الإسرائيلية حول قطاع غزة المحاصر!!
النسخة الأوروبية من الدرع المضادة للصواريخ أنشئت بحجة مواجهة خطر مزعوم من قبل إيران وكوريا الشمالية. ولكن لم ينخدع أحد بهذه الحجة والكل يعلم أنه تم إنشاء الدرع المضادة للصوريخ في أوروبا الشرقية (بولندا، جمهورية التشيك)، وهي في حقيقته موجه ضد روسيا، وتمثل خطورة على الأمن القومي الروسي، وهذا جزء من السياسية الأمريكية حين تلفت الأنظار إلى اتجاه بينما تعمل في اتجاه آخر، وهي سياسة تجيدها إدارة أوباما ويمكن أن نسميها سياسة "الأكاذيب".
فعلى الرغم من عشرات الاجتماعات الماراثونية، والتي عقدت لفترات طويلة بين وزيري الخارجية الأمريكي والإيراني (كيري / ظريف)، إلا أنه من الواضح أن الولايات المتحدة تسير بشكل مباشر نحو مواجهة مع إيران، لأن مصطلح "الدرع المضادة للصواريخ" لا يخدع أحدًا! فهذه الدرع لها وظيفة حربية وعسكرية، وتهدف إلى زيادة التفوق العسكري، وتقليل مخاطر أي هجوم من إيران أو روسيا.
ومن الواضح أن قادة إسرائيل وممالك الخليج يتخذون إجراءات سياسية وعسكرية تعكس حقيقة نظرتهم العدائية إلى إيران، وأن فكرة "الوقاية" تسود جوانب العقيدة العسكرية (الأمريكية - العربية – الإسرائيلية) ضد إيران خلال الأشهر المقبلة. ويتضح ذلك في إنشاء ممالك الخليج لمركز قيادة عسكرية مشتركة.
وفكرة إنشاء قيادة عسكرية مشتركة ليست وليدة الأيام الأخيرة، بل هي قكرة قديمة وتجد حماسًا من قبل الدول الخلييجة وخاصة الإمارات وقطر، وتقوم فكرته على التحالف ضد إيران، وللقيام بذلك فإنه يتطلب جهودًا كبيرة وتنسيقًا مع الولايات المتحدة التي استثمرت نحو ما يقرب من ثمانية تريلونات دولار لضمان أمن الممالك الخليجية. وحصلت واشنطن في مقابل أمن الخليج على احتكار النفط، وولاء الأسر الخليجية الحاكمة لها، إضافة إلى عقود التسليح الضخمة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
وخلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، قال وزير الدفاع الأمريكي السابق، تشاك هاجل: إن الدرع المضادة للصواريخ في الخليج يجب أن تكون جزءًا من نظام عالمي، وهو ما يعني أن الأمريكيين لا يزالون يعتمدون على إبقاء حكام الخليج مثل الدمي في يدهم لسنوات أخرى، بغض النظر على المطالب بالديمقراطية والحرية في الشوارع العربية.
وهذه الممالك العربية قد فهمت الرسالة سريعًا، واستجابت بشكل إيجابي، وأعلنت أنها سوف تمول المرحلة الأولى من إقامة الدرع الصاروخية بما قيمته نحو 20 مليار دولار، والتي تتضمن نشر 35 ألف جندي أمريكي في القواعد العسكرية المنتشرة بتلك الدول. وخلال عام 2014 تم نشر 6 بطاريات لصواريخ باتريوت، و20 منصة إطلاق صواريخ و4 رادارات متعددة الوظائف بقيمة 4.2 مليار دولار، وذلك بالنسبة للكويت. أما الإمارات فسيتكلف هذا النظام الدفاعي فيها أكثر من 4 مليارات دولار، وتتطلع خلاله لتثبيت كاميرات جديدة مثل البحرين التي سوف تستثمر 5 مليارات دولار، بينما تخصص قطر 12 مليار دولار لهذا المشروع. ثم يأتي من يقول إن ذلك ليس ردًا على "التهديدات الإيرانية".
في ميزانية عام 2014، وافقت إيران على تخصيص 3.7 % من ناتجها المحلي للإنفاق العسكري، وهذا الرقم يمثل نحو ثلث نظيره في المملكة العربية السعودية.
الواقع يقول إن الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون لإطلاق المعركة النهائية ضد إيران، بينما يحاولون إلهاءها عبر حوار وهمي؛ وتبقى في النهاية كل من إيران وروسيا في القارب نفسه.