تتزامن اليوم الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري في مصر على محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، بدعم خليجي كانت الأموال الإماراتية العمود الفقري فيه بعشرات مليارات الدولارات، في وقت تتبخر فيه حلم الرفاه لدى الإماراتيين وارتفاع الأسعار وتسريح الموظفين، فضلا عن تأخير العديد من طلبات الإسكان.
على مدار السنوات الثلاثة الماضية، لم تتوقف أبوظبي عن تقديم دعم مادي كبير، وصل في بعض الأرقام المنشورة إلى 20 مليار دولار، قبل أن تعود وتتعهد بدفع أربع ملايين دولار في إبريل الماضي، معللة ذلك بأن الأموال تذهب للشعب المصري وليس للحكومة، فيما تطرح تساؤلات عن الضمانات على صدق هذا الزعم في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية وآليات الرقابة والشفافية، والصراع على النفوذ الموجود في مصر بعد الانقلاب.
و اليوم تفاجئ الحكومة المصرية الشعب الإماراتي بإعلانها عن عن دخولها في مفاوضات مع أبوظبي للحصول على منحة أخرى "لا تُرد" قيمتها 500 مليون دولار. وقالت سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي المصرية، التي تقود
المفاوضات إنها المفاوضات اقتربت من نهايتها.
إبر الحياة لنظام قمعي
سعت حكومة أبوظبي وبكل السبل على إعطاء نظام الجنرالات في مصر "إبرة الحياة"، كلما شارف على الدخول في أزماته الاقتصادية العميقة بسبب السياسات التي ينتهجها العسكر وقادة الانقلاب.
ويرى العديد من الخبراء أنه لولا المساعدات التي قدمتها الإمارات والسعودية والكويت لمصر منذ الانقلاب العسكري لتعرضت مصر إلى ما يشبه الإفلاس، ولاقتربت من حالة قبرص واليونان، خاصة أن عليها التزامات شهرية تقدر بخمسة مليارات دولار هي تكلفة استيراد القمح والأغذية والأدوية والمشتقات البترولية، وأيضا مع تراجع النقد الأجنبي في ظل انخفاض عائدات السياحة.
ويرى مراقبون أن لحكومة أبوظبي تاريخ حافل بعداوة الثورة المصرية منذ أيامها الأولى، حيث إنها ساندت مبارك وعرضت استضافته في حال رغبته في الهرب من مصر، كما أنها استضافت لاحقا الفريق أحمد شفيق، بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس محمد مرسي عام 2012، وهروبه من مصر خوفا من قضايا الفساد المتهم فيها.
حياة المواطن الإماراتي.. وحتى المصري
الدعم الإماراتي السخي لمصر، والذي كان يؤخذ من أقوات المواطنين الإماراتيين، جاء على شكل نقدي مباشر وودائع ضخمة في البنك المركزي المصري، فضلا عن المنح المالية والتشغيلية من خلال مجموعة واسعة من برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كل هذا الدعم يأتي في الوقت الذي بات فيه حلم الرفاهية للشعب يتقلص شيئا فشيئا، فهو واقع بين سندان أزمة النفط العالمية، والتي أثرت بشكل أساسية على الدول المصدرة له ومن أهمها الإمارات التي تستمد 51% من ناتجها المحلي الإجمالي من النفط، وبين مطرقة سياسة الدعم الخارجي للانقلابات العسكرية في البلدان الأخرى والمغامرات غير المحسوبة.
ففي نظرة عامة على ما أقدمت عليه السلطات من تنفيذ سياسة التقشف، نرى أنها قامت العام بتحرير أسعار البنزين والديزل، واستحدثت سياسة تسعير جديدة ترتبط بالمستويات العالمية، كما رفعت العاصمة رسوم الكهرباء والمياه في إطار خفض الدعم الحكومي الهائل، في تطور لم يكن له سابق، وهو الاقتراب من فئة حساسة من المجتمع ورفع الدعم عنها.
وفي الوقت ذاته، بدأت تستعين أبوظبي بصندوقها السيادي الأكبر في العالم لمواجهة العجز المالي، والذي تراجع من 502 مليار دولار عام 2014 إلى 475 مليار دولار.
أما المواطن المصري فحاله من سيء إلى أسوأ، بين مقتول ومطار بالسجون، وبين عيشة صعبة وتضييق في الحريات وغلاء أسعار.
وقد قامت إدارة السيسي بنشر قوات الجيش والشرطة في الشوارع للتصدي للمظاهرات المنادية بعودة الشرعية وإسقاط حكم الانقلاب على مدار السنوات الماضية، وفضت اعتصامي رابعة والنهضة مخلفة أكثر من خمسة آلاف قتيل، كما تحكمت بالمساجد ومؤسسات المجتمع المدني، وأغلقت أي محطة تلفزيونية معارضة.
وأغلقت حكومة مصر في فبراير 2015 حوالي 27000 مسجد في جميع أنحاء مصر لأنها لم تستطع التحكم في خطب الأئمة فيها، كما حلت وزارة التضامن الاجتماعي 112 منظمة غير حكومية لأنها كانت تابعة لحركة الإخوان فقط.
الحديث هنا ليس عن دعم مشاريع العرب ونهضتهم التي كانت إمارات زايد الخير رائدة فيه بحكم عمقها العربي والإسلامي، إنما عن دعم الانقلابات ومحاولة إفشال نهضة الشعوب.
فأيهم أولى، صرف الأموال في غير موضعها وبالتحديد على الانقلاب في مصر، أم محاولة رفع مستوى المعيشة لدى الفرد، وتدارك الانهيار الاقتصادي المتوقع؟، ولماذا تقدم السلطات على التقشف داخليا، فيما يبقى "صنبور الأموال" مفتوحا على دعم الانقلابات؟.