سجلت وزارة الخارجية عددا من الإنجازات الدبلوماسية في التعامل مع دول العالم بصفة عامة، بقدر ما أثارت غضبا وخيبة أملٍ أيضا إزاء بعض الأدوار التي تؤديها في علاقاتها الخارجية. ولكن على صعيد دورها في خدمة الإماراتيين خارج الدولة، فقد غلب عليه"الارتجال" والتجاهل والتلكؤ والنمطية، كما يرى مراقبون. فكيف تعاملت الخارجية مع الإماراتيين في الخارج بصفة عامة، وما يتعرضون له من إشكاليات بصفة خاصة؟
دبلوماسية الخارجية النمطية
كما كل وزارة خارجية في أي دولة في العالم، برعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي حسب تسميتها الجديدة في فبراير الماضي، بوضع إطار من الاتصال والتواصل والمتابعة بينها وبين الإماراتيين في الخارج. فقد أطقلت برنامج "تواجدي" الذي يسمح للمواطنين بالتواصل على مدار الساعة مع وزارة الخارجية في الدولة بصورة فورية من أي بقعة في العالم في حال تعرضهم للخطر.
وتتابع خارجيتنا، كما كل خارجيات العالم أحداث العالم السياسية والعسكرية والطبيعية لإصدار تحذيرات مستمرة للإماراتيين حول الدول الآمنة التي يمكن أن يزوروها أو تلك التي يتجنبوها أو التي يمنع عليهم زيارتها، ويتم ذلك بصورة علنية عبر بيانات وتصريحات وتغريدات رسمية.
فقد حذرت الخارجية الإماراتيين من السفر لأماكن الاحتجاجات في الولايات المتحدة على خلفية عمليات قتل لرجال الشرطة والسود في بعض الولايات والمدن الأمريكية. وفي دول عديدة في إفريقيا، وتايلند وباكستان وأمريكيا اللاتينية تحذر الوازرة من حين لآخر من السفر لهذه الدول إما لوجود اضطرابات سياسية أو حروب أو انتشار فيروسات مهددة للصحة، ومنعت على المواطنين زيارة لبنان نهائيا منذ فبراير الماضي.
ومن أبرز إنجازات الوزارة، هو إطلاق جواز الطوارئ، للإماراتيين الذين يفقدون وثائقهم أثناء سفرهم، ولم يصدر حتى الآن سوى جواز سفر لحالة واحدة في البحرين في مايو الماضي. كما أصدرت في يوليو الجاري دليل سفر الإماراتيين إلى بريطانيا، فضلا عن "إرشادات" أخرى.
أزمات تغيبت عنها وزارة الخارجية
أما في الظروف غير الطبيعية، كالطوارئ والأزمات والمشكلات التي يتعرض لها إمارتيون، فإن المواطنين يعيشون "يُتما" وطنيا وسياسيا على حد تعبير ناشطين، إذ تكون الخارجية آخر من يعلم أو يتفاعل مع هذه المشكلات، وسفارات الدولة آخر من يتحرك والأجهزة الأمنية المفترض لها حماية المواطنين داخل الدولة أو خارجها لا أثر واضحا لها.
ففي أواخر العام الماضي، أعلنت السلطات الليبية في طرابلس عن اعتقال مواطن إماراتي قالت إنه يتجسس لصالح جهاز الأمن، ولا يزال يوسف صقر ولايتي في السجون الليبية دون أن يكون لوزارة الخارجية أي دور أو تصريح. وباستثناء نفي من جانب قائد شرطة دبي خميس المزينة لم يصدر عن الدولة والحكومة أي موقف بشأن مواطن يواجه تهمة خطيرة قد تودي بحياته أو للسجن لسنوات طويلة على الأقل.
وفي مارس 2012 أعلنت وزارة الداخلية (وليس الخارجية) أنها تمكنت من تحرير إماراتي اختطفه مسلحون في نيجيريا طمعا في فدية مالية وأشارت إلى دور للأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية فقط، ولم يكن هناك دور لجهاز أمن الدولة المناط به هذه المسؤوليات، ولم يكن أي دور أيضا لوزارة الخارجية.
أما في مايو 2006 فاختطف مجهولون في العراق دبلوماسيا إماراتيا هو ناجي راشد النعيمي. ووسط غياب كامل أيضا لوزارة الخارجية، تحركت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ودول عربية وغربية وشخصيات عراقية لتأمين الإفراج عنه.
دبلوماسية الوزارة الارتجالية
في مطلع يوليو الجاري وقبيل عيد الفطر، جاءت قضية المواطن أحمد المنهالي التي لا تزال فصولها مستمرة بعد تعرضه لإرهاب الشرطة الأمريكية. وقد اقتصر دور وزارة الخارجية في بداية الأزمة على إعادة نشر تحذيراتها النمطية من توخي الحيطة، قبل أن تطالب الإماراتيين بصورة مباشرة التخلي عن لباسهم الوطني بذريعة حمايتهم من التعرض للعنف.
وبعد تفاقم الأزمة مع المنهالي، ودخول أطراف عربية وأمريكية ضغطت على المسؤولين الأمريكيين، أعلنت وزارة الخارجية أنها استدعت نائب السفيرة الأمريكية في أبوظبي وأبدت احتجاجها على ما تعرض له المنهالي، فقدم اعتذارا وفق ما أعلنت وكالة أنباء الإمارات. وبعد غياب كامل للسفارة في واشنطن والسفير يوسف العتيبة لأسبوع كامل، أصدر بيانا حول الحادثة، أثار استياء الإماراتيين كونه لم يُدن الحادثة بل حاول التقليل من خطورتها، مبديا اعتذاره نيابة عن الأمريكيين، على حد تقدير متابعين، في حين أنه رفض الإدلاء بأي تصريح حتى لصحيفة "الإمارات اليوم" المحلية الرسمية وفق ما أفادت به الصحيفة.
وإضافة إلى ما سبق، فقد ارتجلت وتغيبت الوزارة أيضا في قضية "الشقيقات والمطرقة". إذ تعرضت 3 شقيقات إماراتيات في أكتوبر 2014 لاعتداء وحشي بمطرقة من جانب أحد المجرمين في لندن أدى إلى تهشيم عظام في وجه وأنف إحداهن واستئصال جزء من مخ أخرى، وتضرر الثالثة بصورة خطيرة، ولم يكن لوزارة الخارجية أي دور سوى الدور النمطي أيضا.
الوزارة تلتف على التقصير
مع تزايد الاعتداءات والأزمات وخاصة مشكلة المنهالي الأخيرة، استشعرت وزارة الخارجية حجم الاستياء والإحباط الذي يعانيه الإماراتيون، فقامت على الفور بتحويل حادثة المنهالي إلى "فرصة" للإشادة بدور لم تقم به الوزارة نهائيا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نشرت صحيفة البيان بتاريخ (11|7) تحقيقا صحفيا بعنوان:" أبناء الوطن فخورون بالدبلوماسية الإماراتية واحترافية التعامل عند الطوارئ، «الخارجية» العين الساهرة لرعـاية المواطنين وصون حقوقهم". واستهدفت الصحيفة والوزارة من هذا التحقيق معالجة ما تعمق في وعي الإماراتيين من تقصير الوزارة في قضية المنهالي وجميع القضايا سالفة الذكر وغيرها.
وحول قضية المنهالي تحديدا، زعمت الصحيفة أنها أجرت استطلاعا لرأي بعض المواطنين حول تعامل الخارجية مع قضيته، وأن المستطلعين قالوا:" الدبلوماسية الإماراتية في رعاية شؤون أبناء الوطن في الخارج، تتسم بالاحترافية الشديدة"، على حد تعبيرها. وحمّلت الصحيفة مسؤولية ما يتعرض له الإماراتيون للإماراتيين، عندما نقلت عن مواطن مجهول الهوية قوله:" عدم تقيد بعض المواطنين بتعليمات الخارجية في ما يتعلق بالسفر للخارج، هو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوقوع في مشاكل"، على حد زعمه.
وإزاء ذلك، تأكد للإماراتيين أن الخارجية في موضع دفاع عن النفس من جهة، وتنصل من مسؤولياتها من جهة ثانية، متسائلين عن ذنب المنهالي عندما يرتدي اللباس الوطني أو يتحدث العربية؟!