ها قد هلّ علينا شهر رمضان أعاده الله علينا باليُمن والإيمان والسلامة والإسلام، فكل عام وأنتم بخير وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال. اليوم يكتب الكثير من أصحاب القلم عن هذا الشهر، وكل يتغنى بفضائله من زاوية تخصصه وهذا نهجي هنا: رمضان فرصة تربوية نفسية لا ينبغي التساهل معها في كسر الكثير من العادات السيئة التي تعودت عليها أنفسنا في لحظات ضعفنا كبشر. قال تعالى: «وخُلق الإنسان ضعيفاً»، فمن هذا الضعف يكتسب الإنسان العادات السيئة، لكن الإنسان الضعيف من جهة قوي جداً من زاوية أخرى متى ما قرر واستعان بخالقه سبحانه وتعالى.

من الناحية التربوية، العادات تُكتسب في لحظة حاجة لدى الإنسان يتم إشباعها بطريقة تكسبه لذة يود تكرارها للوصول إلى نفس مستوى اللذة. ومن هنا تتحول هذه الممارسات إلى عادات يُدمن عليها الإنسان، ويعتقد أنه من الصعب التخلص منها. لكن الوصول إلى نفس المستوى في بعض العادات يتطلب زيادة الجرعة التي تؤدي في بعض الأوقات إلى الموت لأن للإنسان قدرات ليس من المنطق تجاوزها. دعوني أقرب لكم الصورة، فالتدخين مثلاً يتم اكتسابه بنفس الصورة التي ذكرتها حتى يصل الإنسان إلى مستوى من اللذة بسبب النيكوتين، الذي يتعود عليه دماغه فإن لم يصل إلى ذلك المستوى المطلوب، يبدأ الإنسان في زيادة جرعاته اليومية، وهكذا يكون الإدمان، والصورة تكون أكثر خطورة عند مدمن المخدرات، فهل نستطيع التخلص من هذه العادات في شهر البركات؟ الإجابة بكل تأكيد نعم.

الخطوة الأولى تبدأ بتحديد العادة التي تود التخلص منها. اكتب تلك العادة أو أكثر من واحدة في ورقة ثم رتبها حسب خطورتها الدينية والصحية، فالمخدرات مثلاً أخطر من السيجارة.

ركز على هذه العادات في دعائك ومناجاة خالقك كي يعينك في التخلص من هذا البلاء، وتأمل في قدراتك عندما تصنع قرارك، فأنت في نهار رمضان تتمكن من الامتناع عن هذه العادات أكثر من 15 ساعة تقريباً، فإن قررت التخلص من هذه العادة، مدد تلك الساعات كي يكون لديك يوم كامل، فإن نجحت فإنك تجاوزت عقبة كسر العادة، لكنك بحاجة إلى بدائل تعينك على إحلال عادات إيجابية مكان تلك السلبية، وكي تضمن عدم النكوص وهو العودة إلى نفس الممارسات بعد انتهاء الموانع مثل ما يفعل البعض عندما يرجع يوم العيد إلى كل ما تركه من عادات احتراماً لقدسية الشهر كما يُقال.

ما يحفظك من النكوص يتلخص في التخلص من الأصحاب الذين تعودت معهم على ممارسة بعض العادات فتدخين الشيشة مثلاً له شلة عند البعض لا يحلو الأمر دونهم. واستبدال هؤلاء الناس بأصحاب تعرفت عليهم في المسجد خلال رمضان يحفظك الله بهم من العودة إلى ما سبق من عادات، كما أنه سيقدم لك بعض العادات الإيجابية في الحياة مثل التعود على الصلاة في المسجد، خصوصاً صلاة الفجر التي لها وقع خاص في النفس البشرية، التي تود التقرب من رب البرية، فالتحلية مهمة جداً بعد التخلية كما يقول علماء السلوك البشري.

لقد رأيت بشراً بعد أن عافاهم الله تعالى من التدخين، أصبحت رائحة السيجارة لديهم خبيثة لا تُطاق وتطوراً في كراهيتهم لهذه العادة حتى أصبحوا مرشدين لغيرهم في التخلص من عاداتهم.

إن تحول الإنسان الذي نجح في كسر عاداته القديمة إلى مرشد لغيره يُقربه من ربه ويجعله عازماً على عدم العودة لتلك الممارسات مرة أخرى، فهل ستتغير في هذا الشهر؟