نشرت مدونة "ميدان" الشبابية تقريرا معمقا حول جماعات الضغط ومراكز البحوث والتي تعمل في الولايات المتحدة من أجل مصالح أبوظبي.
وقالت المدونة، بإمكاننا أن نعتبر أن صعود محمد بن زايد كان نقطة التحول الفعلية لبلاده نحو تطوير العلاقات مع واشنطن، وابتدأت بصفقة طائرات قبل أن تتحول واشنطن لأعمال جماعات الضغط التي تقوم تستند إلى وسائل غير شرعية وغير مشروعة في تحقيق أهدافها السياسية.
ولكن النقلة النوعية للنفوذ الإماراتي وقعت في عام 2008، حين تم تسمية "يوسف العتيبة"، مدير الشؤون الدولية السابق لمحمد بن زايد، سفيرًا للإمارات لدى واشنطن. وسرعان ما بزغ نجم السفير الجديد، الذي وصفته برقية مسربة لـ "ويكيلكس" بعد عدة أشهر فقط من توليه مهام منصبه أنه "يتصرف بشكل مشابه للسلوك والثقافة والسياسة الأميركية".
وكان الاختبار الأول للعتيبة في عام 2009، حين كانت أبوظبي تتفاوض مع الحكومة الأميركية من أجل التوصل إلى "اتفاقية 123"، نسبة إلى المادة 123 من قانون الطاقة النووية الأميركي لعام 1954، بهدف الحصول على التكنولوجيا النووية الأميركية.
وتروي وثيقة لـ"ويكيليكس"، يعود تاريخها إلى 2009، تفاصيل اجتماع جرى بين "العتيبة"، ووزيرة الخارجية الأميركية آنذاك "هيلاري كلينتون"، ووزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد"، لمناقشة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها دولة الإمارات لتشجيع الكونغرس على تمرير الاتفاق، وهو الاجتماع الذي وصف فيه "عبد الله بن زايد" طموحات بلاده أنها تمثل "بديلًا شفافًا للتجربة النووية الإيرانية".
دور العتيبة في شراء النفوذ
اتخذ "العتيبة" فلسفة جديدة في صناعة النفوذ، فلسفة تكشفت بشكل أكبر خلال رسائله المسربة مؤخرًا: تتطلب صناعة النفوذ أكثر من مجرد إلقاء الأموال إلى جماعات الضغط، التي يضمحل تأثيرها، بسبب المنافسة، في غياب شبكة علاقات حقيقية داعمة، يتم صناعاتها ورعايتها بشكل مباشر من قبل الدولة صاحبة المصالح نفسها. تبدأ هذه الشبكة من المسؤولين الأمنيين والسياسيين، ولا تنتهي عند الباحثين والصحفيين، وهو الأسلوب الذي تعلمه "عتيبة" من تداخله مع أعمال اللوبي الصهيوني في واشنطن، اللوبي الذي يدير شبكته بشكل مستقل متجاهلًا التعاقدات قليلة الجدوى مع وكلاء الضغط.
وعلى عكس ما قد يبدو، فإن هذه الفلسفة الجديدة تتطلب إنفاق المزيد من المال من أجل صناعة الشبكة المطلوبة، لذا تشير التقديرات أن الإمارات أنفقت ما مجموعه 5.3 مليون دولار على 23 جماعة ضغط في 2009 كما تشير بيانات وزارة العدل، وهو ارتفاع ملحوظ في متوسط الإنفاق مقارنة بالأعوام السابقة، بيد أن المستقبل القريب كان يحمل في طياته الكثير من المفاجآت التي أخبرتنا أننا لم نكن بلغنا مرحلة الذروة بعد.
الربيع العربي جرس إنذار
مثل الربيع العربي نقطة فارقة جديدة في مساعي الإمارات لاكتساب النفوذ في واشنطن، مع الذعر الذي أصاب حكام البلاد من امتداد موجة التغيير إلى ديارهم. وأظهر الإنفاق الإماراتي على الضغط السياسي منحنى تصاعديًا منذ عام 2011 إلى اليوم، فكان الرقم أقل من ستة ملايين دولار حتى عام 2010، إلا أن هذا التصاعد دفع الإمارات لتصدر قائمة الدول الأجنبية المنفقة على الضغط في واشنطن عام 2013، وهو العام الذي شهد الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المعزول المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين "محمد مرسي"، بواقع 14.2 مليون دولار.
في الأعوام التالية من 2014 إلى 2016 أنفقت أبوظبي مبالغ مالية مماثلة تقريبًا لتعزيز علاقاتها في واشنطن، وهي جهود تكللت بحصولها على نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" (Thaad)، حيث تخرجت الدفعة الأولى من الضباط والطيارين، الذين تم تدريبهم على استخدام النظام، في ديسمبر للعام الماضي 2016، وهي أول دفعة لقوات غير أميركية يتم تدريبها على هذا النظام المتطور. كما نجحت أبوظبي، من خلال مجموعة "أكين غومب"، في الضغط من أجل منع المساس باتفاقية السماوات المفتوحة، في ظل الهجمة العاتية التي يتعرض لها الطيران الخليجي من قبل شركات الطيران الأميركية، وتحديدًا "طيران الإمارات" باعتبارها المنافس الخليجي الأول في الولايات المتحدة.
جماعات ضغط رسمية لصالح الإمارات
ترتبط الإمارات في الوقت الراهن بعقود سارية مع 13 مجموعة ضغط أميركية على الأقل، وفقًا لبيانات وزارة العدل الأميركية التي اطلعت عليها ميدان بشكل مستقل. وتهيمن "مجموعة كامستول" (Camstoll group) على معظم عمليات الضغط الإماراتية بعقد بقيمة 6.5 مليون دولار، تليها مجموعة "هاربر" (Harbour) بعقد قيمته 4.5 مليون دولار.
ولكن مع هذا القدر الكبير من الاستثمار الإماراتي في واشنطن، فإن عمل هذا اللوبي، الذي يعتقد الكثيرون أن "إنفاقه الحقيقي على العلاقات والرشاوى والهدايا يفوق المعلن بعشرات الأضعاف"، لا يقتصر فقط على دفع تعزيز مصالح أبوظبي الاقتصادية والأمنية، والدفاع عنها، ولكنه يقع أيضًا في القلب من جهود حكام الإمارات المذعورين في تقويض ومطاردة خصومهم السياسيين، الداخليين والخارجيين، وعلى رأس هؤلاء الخصوم جماعات "الإسلام السياسي" التي حملها الربيع العربي إلى الصدارة، والدول التي تدعمها وفي مقدمتها قطر، الدولة المثيرة دومًا لغضب الإمارات كما يبدو.
أعداؤنا
كانت "مجموعة كامستول" هي فرس رهان الإمارات في عام 2014، وهو العام الذي شهد حملة إعلامية شرسة في واشنطن، برعاية أبوظبي، استهدفت الدوحة وجماعات "الإسلام السياسي" وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، حملة جاءت متزامنة مع حملة موازية من التصعيد السياسي للإمارات والسعودية، وتضمنت سحب سفراء الدولتين، إضافة إلى البحرين، من قطر في مارس من نفس العام.
وفي ضوء الرسائل المسربة مؤخرًا لسفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، والتي أظهرت تواصله الشخصي مع العديد من السياسيين والصحفيين الذين وردت أسماؤهم في تحقيقات عام 2014، مثل إبرامز، ومع تحققنا الشخصي في ميدان من أن عقد "كامستول" مع أوت لوك إنيرجي لا يزال ساريًا إلى الآن.
وفي ضوء تصريحات وزير الخارجية القطري، "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني"، حول قيام وزارته برصد 13 مقال رأي في الصحف الأميركية تهاجم قطر، في الأسابيع الخمسة التي سبقت الحملة الإعلامية والسياسية الأخيرة التي شنتها أبوظبي على الدوحة، فإننا قمنا في ميدان بإجراء بحث مستقل حول بعض الصحفيين الأميركيين الذين ارتبطت أسماؤهم بأي من العتيبة أو مجموعة كامستول، وحاولنا تتبع مقالاتهم خلال أزمة عام 2014 والأزمة الحالية (2017)، وما بينهما حيث أوصلتنا هذه البحوث إلى نتائج مثيرة للانتباه.
أكثر نعومة
لا يقتصر عمل الإمارات في واشنطن على اللوبيات وجماعات الضغط فقط، لذا فإنه في نفس التوقيت الذي كانت الإمارات تنسج فيه اللوبي الأخطبوطي الخاص بها، فإنها بدأت أيضًا في الاستثمار في مراكز الأبحاث المقربة من الحكومة الأميركية، وكانت البداية مع مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية (CSIS)، الذي قام في عام 2007، بدعم وتمويل إماراتي، بعقد سلسلة ندوات حول الأهمية الإستراتيجية لدول الخليج، وسبل إقامة شراكة بناءة مع الولايات المتحدة. كما دفعت الإمارات المركز لتنظيم رحلات سنوية إلى منطقة الخليج، حملت العشرات من الخبراء الأمنيين والسياسيين للقاء المسؤولين في أبوظبي ودبي.
حدود القوة
ولكن يبدو أن هناك حدودًا لما يمكن أن يشتريه المال، حتى في واشنطن. فرغم أن الإمارات استثمرت عشرات الملايين لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، فضلًا عن مئات الملايين التي تنفقها الحكومة الإماراتية في العمل الخيري، ومليارات الدولارات من الاستثمارات في الشركات الأميركية، فإنها فشلت في إقناع الإدارة الأميركية بتزويدها بطائرات إف-35 المقاتلة، بسبب حرص واشنطن على التفوق النوعي لإسرائيل، البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي منحته الولايات المتحدة حق الحصول على تلك الطائرات. كما منيت جهود الإمارات في مناهضة الاتفاق النووي الإيراني بفشل ذريع، رغم الأموال الباهظة التي أنفقتها بصحبة السعودية على معارضة الاتفاق.
المال قد يشتري المواقف لكنه لا يغير الحقائق. ربما تكون هذه الحقيقة الإستراتيجية الأكبر التي يغفل عنها رجال السياسة، وهي التي تولد الخلط بين مفهوم ممارسة الضغط والتحكم في السياسة.
وقالت المدونة: يمكن للإمارات أن تدفع المال لتستقطب "روبرت غيتس"، ولكن ذلك لا يعني أن البنتاغون لا يزال يستمع لكلمات وزير متقاعد. يمكن للمال حتى دفع الرئيس الأميركي الجديد لإطلاق تغريدات التأييد على تويتر، ولكن هذا لا يعني بالضرورة الحصول على تأييد البنتاغون والخارجية والاستخبارات.