قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن جورج نادر، مستشار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، بدأ في التعاون مع المُحقِّق الخاص روبرت مولر، الذي يتولي التحقيق في قضية التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية، وقد أدلى نادر بشهادةٍ له، الأسبوع الماضي، أمام فريقٍ من المُحلِّفين، وفقاً لشخصَين مُطلِعَين.
وكشفت الصحيفة الأميركية كيف استطاع مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ(FBI) استدراج مستشار ولي عهد أبوظبي من أجل التعاون مع الجهاز الأمني، خاصةً بعد دخوله الولايات المتحدة مطلع العام الحالي (2018)، ثم صادروا منه أجهزة الإلكترونية.
ويُجري مولر حالياً تحقيقاً في تأثير الأموال الأجنبية على النشاطات السياسية للرئيس ترامب، وقد استجوب عدداً من الشهود حول احتمالية أن يكون المستشار جورج نادر قد نقل أموالاً من الإمارات لتمويل جهود الرئيس السياسية. وتُعدُّ مساهمة جهات أجنبية في الحملات الانتخابية أو قبول أميركيين أموالاً أجنبية عن علم لاستخدامها في المنافسات السياسية- أمراً غير قانوني.
من هو جورج نادر؟
وجورج نادر، هو رجلُ أعمالٍ أميركي من أصل لبناني، يعمل مستشاراً لدى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وكان قد حضر أيضاً، في يناير من عام 2017، اجتماعاً بجُزر سيشل الواقعة في المحيط الهندي، والذي حقَّق فيه فريق مولر. كان الاجتماع، الذي جرى برعاية ولي عهد أبوظبي، قد جمع مستثمراً روسيّاً مُقرَّباً من الرئيس فلاديمير بوتين، وإريك برينس مؤسس شركة بلاك ووتر، الذي يعمل مستشاراً غير رسمي لفريق ترامب خلال الفترة الرئاسية الانتقالية، وفقاً لـ3 أشخاصٍ مُطّلِعين على الاجتماع، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقد ينجم عن تعاون، نادر مع المُحقِّق الخاص تحدياتٌ قانونية جديدة أمام إدارة ترامب، ويبدو أنَّ حضور نادر اجتماع سيشيل يربطه بالتركيز الأساسي لتحقيق مولر؛ ألا وهو التدخُّل الروسي في الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016.
ومثَّل نادر وليَّ عهد أبوظبي في المحادثات الثلاثية التي جرت بفندقٍ مطلٍّ على المحيط الهندي بجزر سيشل، في الأيام التي سبقت تولي ترامب منصبه. وفي أثناء الاجتماع، كان المسؤولون الإماراتيون يعتقدون أنَّ إيرك برينس يتحدَّث نيابةً عن فريق ترامب الانتقالي، وكان كيريل ديمتريف، وهو مدير أحد صناديق الاستثمار الروسية مُمَثِّلاً للرئيس بوتين، وفقاً لعددٍ من الأشخاص المُطلِعين على الاجتماع. وكان نادر، الذي اقترب في الفترة الأخيرة من عددٍ من مستشاري الرئيس ترامب، قد عمل سابقاً مستشاراً لشركة بلاك ووتر، وهي شركة أمن أميركية عسكرية خاصة، تُعرَف حالياً باسم "أكاديمي". وقد قدَّم نادر مُوَظَّفه السابق إلى الجانب الروسي، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويشعر المسؤولون الأميركيون بحيرةٍ حول فحوى الاجتماع الذي جرى بجزر سيشل، منذ أن رصدته وكالات الاستخبارات في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، فضلاً عن أنَّ الغرض من المباحثات يُعدُّ محل خلاف. وفي شهادته أمام الكونغرس الأميركي في نوفمبر 2017، أنكر برينس تمثيله فريق الانتقال الرئاسي التابع لترامب خلال الاجتماع، ورفض فكرة الاجتماع مع ديمتريف، مشيراً إلى أنَّ اللقاء لا يعدو كونه محادثةً ودية خلال تناول شراب.
ولم يردَّ محامٍ تابعٌ لنادر على طلباتٍ للتعليق على التقرير. ومن جانبه، رفض مُتحدِّثٌ باسم ديمتريف، مراراً، التعليق على اجتماع سيشل، وكذلك أيضاً السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة.
مبعوث بوتين
وبحسب الصحيفة الأميركية، كان بوتين قد اختار ديمتريف، وهو مصرفي سابق في مؤسسة غولدمان ساكس وحاصل على ماجستير إدارة أعمال من جامعة هارفارد الأميركية، عام 2011، ليدير أحد صناديق الاستثمار غير العادية التابعة للدولة. وبينما تسعى الصناديق الأخرى لجني عائدات من الثروة السيادية، يسعى ديمتريف -وهو رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي- إلى الحصول على استثماراتٍ خارجية، في أغلب الأحيان من حكومات أجنبية، لصالح مشروعات بنية تحتية غير عادية.
يُذكر أنَّ إدارة أوباما قد فرضت عقوبات على الصندوق كجزءٍ من مجموعة من العقوبات الاقتصادية عقب دفع الحكومة الروسية بقوات عسكرية إلى أوكرانيا عام 2014.
وبحسب الصحيفة الأميركية، قد استثمرت الإمارات، التي تُعدُّ واشنطن أحد أقرب حلفائها، بقوةٍ في صندوق ديمتريف، كجزءٍ من جهودها لبناء علاقاتٍ وثيقة مع روسيا أيضاً. فبعد لقاء ولي العهد، محمد بن زايد، الرئيس بوتين، عام 2013، في موسكو، خلال زيارةٍ رسمية، تعهد اثنان من أذرع حكومة أبوظبي الاستثمارية باستثمار 6 مليارات دولار أميركي في صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، التي تُستَخدَم، بنهاية المطاف، في بناء مشروعات طرق، ومطار ومراكز علاج مرضى السرطان في روسيا.
أصبح ديمتريف زائراً دائماً إلى أبوظبي، وقد جاء المسؤولون الإماراتيون لمقابلته باعتباره حلقة وصل رئيسية مع الحكومة الروسية. وفي رسالة على البريد الإلكتروني عام 2015، وصف السفير الإماراتي في موسكو آنذاك، ديمتريف بأنَّه "مبعوثٌ" للحصول على معلوماتٍ مباشرة لبوتين. وكانت رسالة البريد الإلكتروني تلك واحدة من بين عددٍ كبير من الرسائل التي سُرِّبَت من حساب السفير الإماراتي في واشنطن والتي نُشِرت على الإنترنت. ولم يردَّ عمر سيف غباش، السفير الإماراتي في موسكو حينها، على رسالةٍ تطلب التعليق على التسريب.
استدراجُ "نادر"
وقد تسلَّم نادر، لأول مرة، مذكرة توقيفٍ واستدعاء من قِبل هيئة محلفين عليا في 17 يناير/كانون الثني 2018، عقب وصوله إلى مطار واشنطن دولس الدولي، وفقاً لشخصين مُطلِعَين على الواقعة. وكان نادر ينوي السفر إلى منتجع مارالاغو، التابع للرئيس ترامب، في ولاية فلوريدا الأميركية، للاحتفال بمرور عام على تولي ترامب منصبه، لكن كانت لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي خططٌ أخرى؛ إذ جرى استجوابه أكثر من ساعتين وصادروا الأجهزة الإلكترونية التي كانت معه، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومنذ ذلك الحين، جرى استجواب نادر عدة مرات حول اجتماعاتٍ جرت في مدينة نيويورك خلال الفترة الانتقالية، واجتماع جزر سيشل، وكذلك اجتماعات في البيت الأبيض مع اثنين من كبار مستشاري ترامب، وهما غاريد كوشنر وستيف بانون، الذي ترك منذ ذلك الحين العمل لدى الإدارة الأميركية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وعُقِدَ اجتماع سيشل أيضاً على خلفية نموذجٍ أكبر من الاتصالات السرية بين فريق ترامب وكلٍ من الإماراتيين والروس. وفي الأسابيع التي أعقبت انتخابات 2016 الرئاسية، أثار ولي العهد، محمد بن زايد، شكوك مسؤولي الأمن القومي الأميركيين، عندما علموا أنَّه خرق البروتوكول بزيارة برج ترامب في مدينة مانهاتن الأميركية دون إخطار إدارة أوباما بزيارته إلى الولايات المتحدة.
التقى كوشنر، وهو صهر ترامب ومستشار انتقالي كبير، السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك آنذاك، وناقشا فتح قناة خلفية للتواصل مع موسكو في أثناء المرحلة الانتقالية، في تحايلٍ على القنوات الدبلوماسية الأميركية المعتادة المستخدمة في أثناء فترة الانتقال الرئاسي. والتقى كوشنر، بعد أيامٍ قليلة، سيرغي غوركوف، وهو مصرفي روسي مقرب من بوتين -الذي كان مصرفه أيضاً خاضعاً لعقوبات - فيما قال كوشنر إنها محاولة لإنشاء اتصال مباشر مع بوتين خلال المرحلة الانتقالية، بحسب "نيويورك تايمز".