بيانات حقوقية، فأممية، تحالفات حقوقية، فعريضة، تكريم ومناشدات؛ خبراء حقوق الإنسان والبرلمان البريطاني يرفعون صوتهم، فانتفاضة حقوقية عالمية دفاعا عن الحقوقي الكبير أحمد منصور الذي دخل السنة الثانية في الاختفاء القسري بدون تهمة أو محاكمة. فمنصور من القيادات الوطنية الشابة التي استخدم جهاز الأمن من أجل الإيقاع به حيلا وطرقا التفافية لا حصر لها، ولكن دون جدوى، حتى لجأ إلى خطفه واعتقاله فجر العشرين من مارس 2017. فما هو تاريخ منصور الوطني، وما هي الطرق النادرة التي سلكها الجهاز ضده؟
من هو أحمد منصور؟
"منصور" ناشط حقوقي وطني يحمل الكثير من مطالب الحقوق والحريات والمساواة، وهو إلى جانب قطاع واسع من الناشطين الإماراتيين، الذين شاطروه طريق طويل من النضال الحقوقي والوطني، ووقفوا إلى جانب الإماراتيين في مفاصل تاريخية مهمة.
ولعل عريضة الثالث من مارس 2011، كانت محطة فارقة في العمل الوطني، كان منصور من أوائل الموقعين عليها، ولم يتردد ولم يحسب أي حسبة رياضية في المكاسب والتضحيات، فكان أيضا من أوائل من عوقبوا عليها، في القضية المعروفة إعلاميا "المعتقلون الخمسة". وحُكم على منصور في هذه القضية 3 سنوات قبل أن يُفرج عنه وزملاؤه بعفو رئاسي.
ولعل أبرز ما كان يردده منصور، دعوته لأن يصدر جواز السفر الإماراتي واحدا وموحدا للإماراتيين كافة، دون الإشارة إلى إمارة حامله، كون ذلك ينطوي على جملة من مظاهر التمييز وعدم المساواة بين الإماراتيين.
والعام الماضي، منحت منظمة "مراسلون بلا حدود" و قناة TV5-Monde جائزة حرية الصحافة لعام 2017 للمدافع عن حقوق الإنسان في الإمارات، لـ"منصور" عن فئة "الصحفي المواطن".
و منصور حائز على جائزة مارتن إينال للمدافعين عن حقوق الإنسان للعام 2015، وعضو المجلس الاستشاري لقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا بـ"هيومن رايتس ووتش".
استهداف استثنائي لأحمد منصور
ومؤخرا، نشر الموقع البريطاني الشهير "ميدل إيست آي"، تقريرا مهما للكاتب "جوي أوديل" حول ما قال إنها شبكة سوداء من الرقابة في دولة الإمارات، منذ الربيع العربي، بهدف ما وصفه "قمع أصوات" الناشطين الوطنيين.
وقال الموقع، وقد تم وضع القانون عام 2012، حيث "أحكامه غامضة وصيغ صياغة توفر أساسا قانونيا لاحتجاز أي شخص ينتقد النظام على الانترنت"، على حد قول "أوديل".
وعلاوة على ذلك، وبحسب "أوديل"، في عام 2016، تم اختراق "آي فون" منصور من قبل حكومة الإمارات باستخدام برامج قدمتها شركة أمن إسرائيلية. وتفيد التقارير أن السلطات الإماراتية دفعت مليون دولار للبرمجيات، ما دفع وسائل الإعلام الدولية إلى تسمية منصور "الناشط المليون دولار"، أي الذي كلف حكومته هذا المبلغ لاختراق جهازه المحمول.
وعقب الموقع على ذلك، قائلا: "توضح قضية منصور كيفية قيام السلطات الإماراتية بممارسات "غير أخلاقية"، على حد وصفه.
تخليق قضية لمعاقبة منصور
وبعد أن كشفت مصادر عديدة طوال العامين الماضيين، محاولات جهاز الأمن للتجسس على منصور، بدأ الجهاز فعليا بتنفيذ حملة انتقامية ضده.
ففي (13|3) أي قبل أسبوع واحد فقط من اعتقال منصور، صدر القرار الوزاري رقم 220 لسنة 2017 بإنشاء النيابة الاتحادية لجرائم تقنية المعلومات ومقرها أبوظبي. وتختص نيابة جرائم تقنية المعلومات "بالتحقيق والتصرف ومباشرة الدعوى الجزائية في جرائم استعمال الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) في "التحريض والدعوة لعدم الانقياد إلى قوانين الدولة، أو لمظاهرات أو مسيرات"، بحسب القرار. وبناء على هذه المزاعم، تم اعتقال منصور في (20|3)، بتهمة "نشر معلومات كاذبة عبر الإنترنت تخدم أجندة تهدف إلى إثارة الكراهية والطائفية"، بحسب نيابة تقنية المعلومات ونيابة أمن الدولة، ومع ذلك، لم يُقدم منصور للمحاكمة حتى الآن.
ردود فعل استثنائية على الاعتقال
فور الإعلان عن اعتقال منصور، توالت ردود فعل محلية وإقليمية دولية غاضبة، من بيانات وتقارير وعرائض ونقاشات برلمانية، أظهرت من جهة حجم الحقوقي الكبير أحمد منصور، ومن جهة ثانية أسقطت الرواية الرسمية، وأظهرت عجز جهاز الأمن من جهة ثالثة، على ما يقول ناشطون.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" عن منصور، بأنه من بين المصادر المستقلة القليلة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية في دولة الإمارات وإطلاع العالم على هذه الأوضاع. وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "لدى أحمد منصور سجل حقوقي لا غبار عليه، وكل يوم يمضيه في السجن هو يوم مظلم في سجل حقوق الإنسان الإماراتي".
أما منظمة العفو الدولية، فقالت إن "منصور" يتعرض لاعتداءات جسدية ويتلقى تهديدات بالقتل.ودعت المنظمة إلى إطلاق سراحه فورا دون قيد أو شرط، موضحة أنه محتجز لسبب واحد هو أنه "أراد أن يمارس حقه في التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وقالت لين معلوف، نائبة مدير قسم الأبحاث بمكتب المنظمة في بيروت:"عمل منصور بلا كلل للدفاع عن حقوق الإنسان في الإمارات والمنطقة، فكلّفه ذلك ما كلّفه. على السلطات الإفراج عنه فورا ووضع حد نهائي لمضايقاتها له".
وفي عريضة لهم بموقع "نمضي.نت"، وهو موقع عربي خاص بالعرائض المُطالبة بالحقوق والعدل والمساواة- طالب الموقعون السلطات المختصة بالإفراج عن أحمد منصور فورا ودون قيد أو شرط، لكونه سجين رأي تم اعتقاله بسبب عمله من أجل حقوق الإنسان.
وقال الموقع: إن منصور من الأصوات الوطنية النادرة، التي تُجاهر بالرأي المستقل، وبمصداقية، فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وتطوراتها في بلده. ودأب على نقد وانتقاد ممارسات مثل الاعتقالات التعسفية والتعذيب أو سوء المعاملة، وإخفاق الحكومة في الالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وعدم استقلال القضاء.
كما طالب تحالف من 20 منظمة حقوقية، السلطات الإماراتية الإفراج فورا عن منصور.
ودعت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان حكومة الإمارات إلى الإفراج عنه على الفور، ووصفت اعتقاله بـ "الاعتداء المباشر على العمل المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات".
وقال مقررو الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بالمدافعين عن حقوق الإنسان؛ في بيان خاص لهم: إن إعتقال منصور واحتجازه "هجوم مباشر على العمل المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات". وقالوا إن "عمله المتميز في حماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، إضافة إلى تعاونه الشفاف مع آليات الأمم المتحدة، له قيمة كبيرة للإمارات وللمنطقة بكاملها".
وعبّر خبراء الأمم المتحدة عن خشيتهم من أن يكون اعتقاله "عملا انتقاميا بسبب عمله مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وآرائه التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولأنه عضو ناشط في منظمات حقوقية منها "مركز الخليج لحقوق الإنسان"، ومساندا فاعلا لمنظمات أخرى، مثل هيومن رايتس ووتش".
ومن جهتهم، أعرب أعضاء في مجلس العموم البريطاني عن قلقهم البالغ باعتقال "منصور"، وأثاروا قضية اعتقاله مع حكومة تيرزا ماي. وكذّب النائب البريطاني أندي سلوتر رواية النيابة في أبوظبي حول بعض الإجراءات الشكلية في احتجاز "منصور".
واليوم، يدخل منصور عامه الثاني، ومعه شعب كامل يرزح تحت قبضة الأمن الثقيلة، فيفتقده كل معتقل رأي ومختف قسريا، وكل من صودرت حقوقه وحرياته في الدولة من مواطنين ومقيمين.