على نحو مفاجئ وغير معهود، أعلنت شركتا "الدار" (أبوظبي) و "إعمار" (دبي) العقاريتان، عما وصفاه "شراكة إستراتيجية". ولتجسيد مدى أهمية هذا "الارتباط" الجديد، فقد اكتسى الحدث طابعا سياسيا، بحضور نائب رئيس الدولة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، و ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. فما هي طبيعة هذه "الشراكة"، وما تداعياتها الاقتصادية والسياسية محليا، وهل تعكس صعوبة الأوضاع الإقتصادية في الدولة؟!
القرار مفاجئ
معلوماتيا، فإن "الدار" شركة عقارية تتبع "مبادلة" التي يرأسها خلدون المبارك المقرب جدا من محمد بن زايد والقوي ماليا في أبوظبي، في حين تتبع "إعمار" إلى "دبي القابضة" ويرأسها الرجل القوي اقتصاديا، أيضا، في دبي محمد العبار. ونفذت الشركتان خلال السنوات الماضية عشرات المشاريع العقارية العملاقة محليا ودوليا.
لذلك، جاء قرار الدمج مفاجئا لجميع المراقبين وخبراء الاقتصاد والسياسة. فيكاد يكون لأول مرة إجراء "شراكة" بين شركتين إماراتيين، تتبع كل واحدة لإمارة مختلفة. العام الماضي، شهدت "آيبيك" و"مبادلة" في أبوظبي عددا من عمليات الاستحواذ والدمج فيما بينها. وكذلك، شهدت شركات في دبي عمليات "إعادة هيكلة". ولكن عندما طُرح دمج شركة "الاتحاد" و"الإمارات" للطيران، استبعد مسؤولون في الشركتين إمكانية ذلك.
وعادة يسبق أي نوع من العلاقات بين الشركات الكبرى، تمهيد إعلامي مع بسط للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، كما يسبق ذلك حديث مطول عن ضرورة إعادة الهيكلة، وانعكاساته على مسيرة الاقتصاد وتحسين مستوى الإنتاجية، في جهد متواصل من التبرير الاقتصادي والاجتماعي لهذا القرار. ولكن ذلك، لم يتحقق منه شيئا، ما يطرح تساؤلات حول دراسة هذا القرار، أو أنه قرار اقتصادي بحت، أم قرار سياسي!
دمج أم استحواذ؟
بطبيعة الحال، لم تعلن الشركتان عن طبيعة "الشراكة الاستراتيجية" إداريا وتنظيميا، فيما بينهما، إذ أشارتا لإطلاق عمليات استثمار عقارية تقارب الـ30 مليار درهم. ومن جهته، اعتبر حاكم دبي أن هذا القرار، يمثل "إضافة تدعم المسيرة التنموية، وتعزّز مكانة دولة الإمارات وجهة مفضلة للسياحة العربية والعالمية"، فيما ذهب ولي عهد أبوظبي للقول: إن "إطلاق هذه الشراكة يصب في توحيد الجهود، وتكامل الطاقات، ويوفر فرصاً متعدّدة لاستشراف آفاق النمو والتوسع الاستثماري".
وباستثناء هذه التصريحات العامة، فلم يرشح حتى الآن، على الأقل، الشكل القانوني الجديد للشراكة، وما هو اسمها الجديد، أو شعارها، وممن يتشكل مجلس الإدارة، وهل ستخضعان لإعادة هيكلة فيما بينهما؟! تساؤلات كثيرة لا تزال تشغل الإماراتيين والمراقبين، خشية أن يكون قرار الشراكة غير مدعوم بدراسات جدوى مستفيضة أو بدراسة كافية حول تداعيات وانعكاسات قرار بهذه الأهمية.
انتقادات على السياسة الاقتصادية
الدستور الإماراتي منح إمارات الدولة استقلالية تامة في إدارة مواردها. وقد نشأ عن ذلك، تعدد المشروعات الوطنية (لكل إمارة)، على حساب المشروعات (القومية) على مستوى دولة الاتحاد، وهو ما سبب تشابها كبيرا في المشروعات وصلت حد التضارب والتعارض فيما بينها من جهة، واستئثار الإمارات الغنية بعوائد المشروعات الكبرى وحدها.
وهذا ما يفسر أسباب تأخر أي عمليات دمج بين شركات الإمارات فيما بينها حتى الآن، واعتبار ارتباط "الدار" وإعمار" سابقة اقتصادية وسياسية مهمة، يدعمها الإماراتيون بكل قوة، كونها تشكل جهدا وطنيا جامعا تستفيد من الإمارات المختلفة، وإن كان في هذه المرحلة يقتصر الأمر على أبوظبي ودبي.
الخبير الاقتصادي ناصر بن غيث (معتقل رأي الآن)، سبق أن انتقد وضع هذه المؤسسات، معتبرا أن المسؤول عن الفجوة بين خدمات المقدمة لإمارات الدولة، إنما يعود لاختلاف كل إمارة في رؤيتها التنموية المنفردة إضافة إلى الرؤية التنموية الاتحادية والتي تختلف فيما بينها في كل شيء حتى الإطار الزمني. فأبوظبي لديها رؤية 2030 ولدبي خطة 2015 وللحكومة الاتحادية رؤية 2021 ولباقي الإمارات خططها الخاصة بها كذلك.
وفي مقال له "خارطة طريق للإمارات"، يقترح بن غيث للتغلب على هذه الإشكالية:
أولا: توحيد الرؤية على مستوى الدولة وذلك بوضع أهداف إستراتيجية مشتركة تقوم على أرضية مشتركة مثال ذلك رفع مستوى التعليم ومن ثم الإنتاجية والتنافسية للكوادر الوطنية الخليجية.
ثانياً: التأكد من تناغم الأهداف غير المشتركة بين الإمارات وكذلك السياسات المحققة لها وذلك لمنعها من الدخول في شكل من أشكال المنافسة غير المشروعة .
ثالثا: تقوية ودعم المؤسسات المشتركة أو مؤسسات العمل المشترك على المستوى الاتحادي للدولة وذلك لمساهمة مثل هذه المؤسسات في توضيح وتوحيد الرؤى التنموية ووضع الإستراتيجيات التنموية المشتركة.
رابعاً: تحديد جهة اتحادية تملك السلطة والموارد ما يمكنها من وضع آلية للإشراف والرقابة تمكنها من التنسيق بين الإمارات المختلفة ولتوزيع أدوار الخطة التنموية الشاملة بينها و تقديم الدعم المالي للإمارات المختلفة.
ما وراء قرار "الشراكة"؟
بغض النظر عن نوع العلاقة الوليدة بين "إعمار" و"الدار"، فإن واقعا جديدا نشأ في الدولة اليوم، بأبعاد سياسية واقتصادية واضحة. وإزاء ذلك، تسود وجهتا نظر حول القرار:
أولا: يرى مراقبون، ونظرا لتعثر عدد من شركات أبوظبي الكبرى خلال العامين الماضيين، يعتقدون أن قرار الشراكة بين الشركتين، إنما هو قرار سياسي في المقام الأول، بهدف إنقاذ التدهور الاقتصادي في أداء شركات أبوظبي.
ويعتبر مراقبون، أن القرار كان مفاجئا، كونه جاء قرارا سياسيا أكثر منه اقتصاديا، مستدلين على أن أبوظبي قد أنقذت دبي عام 2008 من شبح الانهيار جراء الأزمة المالية، عندما دعمتها بـ10 مليارات دولار لتسديد وجدولة ديونها.
واليوم، يتساءل المراقبون، إن كانت دبي تقوم بدور "الإنقاذ" لشركات أبوظبي من الانهيار؟
ثانيا: يعتقد مراقبون أن هذه "الشراكة" تبدو وكأنها توسيع لنفوذ أبوظبي الاقتصادي في سبيل المزيد من استحواذها على قوة دبي الاقتصادية، أكثر من كونها عملية إنقاذ من دبي لشركات أبوظبي، لأن دبي مهما بلغت فيها الجدارة الاستثمارية فإن أبوظبي تظل أكثر تفوقا بالملاءة المالية.
ويستند مراقبون إلى هذا الاتجاه، إلى تجربة استحواذ شركة "إيمال" للألمونيوم (أبوظبي) على "دوبال" (دبي)، فأصبحت أبوظبي هي صاحبة القرار في صناعة الألومنيوم على مستوى العالم، وهي تجربة بنتها دبي وقطفت ثمارها أبوظبي، على حد تعبير مراقبين.
مهما يكن من أمر، وأيا كانت الأسباب، فإن الشراكات هي اتجاه مطلوب ليس بين إماراتين فقط، وإنما بين جميع إمارات الدولة، خاصة أن هناك من يعتبر أن نمط تعدد الشركات الواحدة وما نتج عنه من منافسات وتضارب، ربما قد يكون وصل إلى طريق مسدود، ما دفع القيادة السياسية للتدخل وتقديم نموذج "الشراكة" بين "الدار" وإعمار"، كأسلوب لإنقاذ السياسية الاقتصادية للدولة برمتها.
ومن جهة أخرى، يعتبر مراقبون، أن ما تقدمه دبي من قبول الشراكة بين "إعمار" و"الدار"، إنما يعيد الاعتبار والوزن لها في القرار السياسي والاجتماعي للدولة، بعد مزاعم أنها فقدت ثقلها إثر دعم أبوظبي لدبي في أزمة 2008. لذلك، يتفاءل قطاع من الإماراتيين، أيضا، أن ينعكس هذا القرار الاقتصادي، على المستوى السياسي في الدولة وعلاقاتها الخارجية، التي يقول مراقبون إنها تضررت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، وأخذت الدولة إلى اتجاه آخر دون أن تتمكن دبي من وضع كوابح لها، على حد تعبيرهم.
فهل تعيد دبي التوازن لتوجهات الدولة السياسية، وهل يشهد الإماراتيون المزيد من هذه "الشراكات" ما دامت أنها بهذه الأهمية، وهل تسهم هذه الشراكات الاقتصادية في تعميق الشراكة السياسية بين مختلف حكام الدولة وإماراتها، يتساءل إماراتيون.