حفلت دولة الإمارات بزيارة الرئيس الصيني "شين جين بينغ" بزيارته إلى أبوظبي لأكثر من أسبوع، تخلله تغريدات رسمية وترحيب رسمي باللغة الصينية فضلا عن إطلاق منصة "الأسبوع الإماراتي الصيني" التعريفي والإخباري بكل ما يخص العلاقات الإماراتية الصينية ومواكبة زيارة "جين بينغ"، وما تخللتها من نشر كتاب مترجم للرئيس الصيني تضمن رؤيته الاقتصادية والإدراية، وما قاله نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد من أن الإمارات تلتقي مع الصين في "فلسفتها الإدارية، فنحن الأقرب لها". ومع ذلك، تساءل مراقبون عن مضامين هذه الزيارة التي ونتائجها التي جاءت في ظل أزمة صامتة على النفوذ في إفريقيا!
مجريات الزيارة وأهم نتائجها
كان ملحوظا المبالغة الإماراتية الرسمية بالحفاوة التي استقبلت فيها الرئيس الصيني، على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي، توجت بتقليد الرئيس الصيني "وسام زايد" وهو أرفع وسام إماراتي. ولم يفوت محمد بن زايد "اللحظة التاريخية" في استقبال الرئيس الصيني وعقيلته من جانب رئيس الدولة، إذ أصر على الظهور في مشهد الاستقبال حتى وإن كان في الصفوف الخلفية.
الزيارة، بحسب مراقبين، جاءت بنتائج أقل أهمية بكثير من الصخب وأصوات مقاتلات "إف 16" التي سارعت لاستقبال "جين بينغ" لحظة وصوله أجواءنا الوطنية. فنحو 13 اتفاقية تكاد تكون "روتينية وفنية" وقعتها أبوظبي وبكين في اليوم الثاني من الزيارة، وهي اتفاقيات يمكن توقيعها على مستوى أقل من مستوى قادة البلدين، كما يرى مراقبون.
وفي اليوم الثالث من الزيارة، صدر بيان عام مشترك من الدولتين يشير إلى "تأسيس علاقات شراكة استراتيجية شاملة"، دون أي محددات أو نقاط معينة يمكن الوقوف من خلالها على ملامح هذه العلاقات، وكيفية إدارة التنافس بين الدولتين في إفريقيا، أو في أي ملف اقتصادي أو سياسي آخر، باستثناء الإشارة إلى التعاون في "طريق الحرير". وقال البيان: إن البلدين أكدا "حرصهما على تعميق التعاون ضمن مبادرة "الحزام و الطريق" لإقامة علاقات الشراكة التجارية والاستثمارية المستدامة".
التنافس الإماراتي الصيني قد يتحول إلى صراع
سبق الإشارة إلى حدة التنافس بين دبي وبكين تحديدا، خلال هذا الأسبوع أكثر من مرة، وتحدثت الصحافة العالمية والعربية والمحلية الخاصة عن هذا الخلاف. ففي تقرير لمجلة "إيكونومست" ترجمه "الإمارات 71"، تؤكد أن الإمارات قد تجد نفسها في منافسة مع الصين. ولذلك تأمل أن تكون جزءاً من مبادرة الحزام والطريق في الصين، وهي خطة لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية مثل الطرق والموانئ. وأشارت المجلة إلى أهمية جبل علي للمنطقة والعالم، وحاجة الصين لوجود وسيط في هذا الطريق والحزام.
ويظهر وجه الخلاف بين الإمارات والصين على ميناء "دوراليه" في جيبوتي التي طردت موانئ دبي العالمية ومنحت حق الامتياز فيه للصين، بصورة قد تجعل من ميناء جبل على في دبي كأنه ميناء محلي، أي أن ميزة جبل علي التجارية والتنافسية ستواجه الانحسار لصالح الصين وجيبوتي، وهو ما تعارض تماما مع دبي، وقد لا تكترث أبوظبي لهذا البعد الاقتصادي بحسب مراقبين، فأبوظبي تبحث عن نفوذ سياسي وعسكري أكثر من تجاري واقتصادي.
ويرى مراقبون، أنه يمكن التوصل بالفعل لمقاربات بين الصين والإمارات سياسيا وعلى صعيد شراء السلاح الصيني، ولكن التحدي الأبرز في هذه العلاقات هو التنافس التجاري الذي يمكن أن يمس جوهريا باقتصاد إمارة دبي والدولة بصفة عامة.
وقبيل أيام من زيارة الرئيس الصيني، حذرت موانئ دبي العالمية الصين من تواجدها في ميناء "دوراليه" تحديدا.
وأكدت "موانئ دبي العالمية" في بيانها أن "قيام حكومة جيبوتي بالاستيلاء غير المشروع على المحطة لا يمنح الحق لأي طرف ثالث بانتهاك شروط اتفاقية الامتياز".
واعتبرت الشركة أن مشروع بناء المنطقة التجارية يمثل تعديا على "حقوق الإدارة الحصرية" مشددة على أنها تحتفظ بحق اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ومن ضمنها المطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة على قيام أطراف أخرى بالتدخل أو خرق حقوق التعاقد.
الزيارة تجاهلت أزمة "دوراليه"
لم يبدر عن أبوظبي وبكين أي إشارة تفيد بمناقشة احتجاج دبي على استحواذ الصين على حق الامتياز في ميناء دوراليه. وهذا يعني أن دولة الإمارات لم تشأ أن تتضرر هذه الزيارة بهذه القضية التي قالت إنها ستبحثها قضائيا وفنيا وليس على المستوى السياسي. ويعتقد مراقبون أن زيارة الرئيس الصيني قد ترسي تفاهمات مع الإمارات تضمن لها دورا في طريق الحرير تعويضا عما قد يلحقه هذا الطريق من أضرار بها، ولكن دور لا يضمن لأبوظبي التفرد التجاري والعسكري كما يسعى حكام الإمارات بحسب "الإيكونوميست".
وقالت المجلة بهذا الصدد: "الإمارات واحدة من عدة دول خليجية تحاول الحصول على موطئ قدم استراتيجي في شرق أفريقيا عبر الموانئ. السيطرة على هذه الموانئ يمنح مزايا تجارية وعسكرية، ومخاطر يمكن أن تفاقم التوترات في المنطقة" فهل تقاسمت الإمارات والصين المزايا أم يتنظرهم مخاطر يعاظم التوتر بينهما ما قد يخلق صراعا يبدد سريعا حرارة الترحيب بما وصفه الإعلام الرسمي "الزيارة التاريخية" للرئيس الصيني؟! هذا ما سكت عنه البيان الإماراتي الصيني الرسمي وجميع تصريحات المسؤولين في الجانبين.