بينما كان من المفترض أن تشكل القرارات المبدئية لمحكمة العدل الدولية فرصة للأطراف المتخاصمين لالتقاط اللحظة والانخراط في حوار يضع حدا للأزمة الخليجية، إلا أن ردود الفعل الصادرة عن الدوحة وأبوظبي لم تسمح لهذا السيناريو المتفائل بالعيش طويلا! فما هي قرارات المحكمة، وما هي ردود الفعل الإماراتية والقطرية، وما هي التداعيات المتوقعة على منطوق المحكمة؟
قرارات المحكمة
الاثنين (23|7) أصدرت المحكمة موقفها بشأن شكوى "تمييز" قطرية تقدمت بها الدوحة ضد الإمارات على خلفية إجراءات اتخذتها الأخيرة إزاء مواطنين قطريين كانوا يعيشون في الإمارات حتى اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو 2017.
بصورة واقعية، وكما يرى مراقبون، فإن المحكمة تبنت الشكوى القطرية وألزمت الإمارات بلم شمل الأسر القطرية لحين البت في القضية.
وقالت المحكمة: إن الإجراءات التي طلبتها قطر مقبولة وفق اتفاقية مناهضة التمييز. وطالبت المحكمة أبوظبي بالسماح للرعايا المتأثرين بالإجراءات بدخول أبوظبي للجوء إلى المحاكم، والسماح للطلاب القطريين باستكمال دراستهم بالإمارات.
وأكدت أن القطريين في الإمارات أجبِروا على ترك منازلهم دون إمكانية العودة، وأن عائلات قطرية إماراتية مختلطة فصل بينها نتيجة إجراءات أبوظبي.
وذكرت العدل الدولية بضرورة احترام الحقوق الفردية ضمن اتفاقية مناهضة التمييز، مشددة على أن لديها صلاحية التعامل مع القضية بشأن تفسير تطبيق اتفاقية مناهضة التمييز.
وبينت أن العناصر الحالية كافية لتأكيد وجود خلاف بين قطر والإمارات، معتبرة أن الإجراءات الإماراتية تأتي ضمن مجال اتفاقية القضاء على التمييز العنصري.
تابعت أن الخلاف لا يمكن حله بالمفاوضات وفق اتفاقية مناهضة التمييز، مؤكدة أن على الإمارات ضمان إعادة لم شمل الأسر المتأثرة بالإجراءات ضد قطر.
وفي حال إدانة المحكمة الدولية الإمارات، وعدم التزام أبوظبي بتنفيذ المطالب التي جاءت في الطلب القطري، فإن القضية ستُحال إلى مجلس الأمن الدولي.
ردود الفعل الإماراتية
على نحو سريع، رحبت دولة الإمارات بمنطوق المحكمة من جهة، ومحاولة لإظهار أنها ليست مقصودة بالقرارات من جهة ثانية. و ورد الرد الرسمي على لسان وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش، ليعقبه بيان رسمي حمل ذات موقف قرقاش.
وقال قرقاش:"ملخص قرار محكمة العدل الدولية اليوم تناول ما يعرف بالإجراءات الوقتية ورفض القضاة المطالب القطرية المقدمة ودعوا إلى 3 إجراءات تتعلق بالأسر والطلبة والتقاضي وهي إجراءات قامت الإمارات بتنفيذها وفق ضوابطها الوطنية".
أما البيان الرسمي، فقد قال: "بأغلبية ضئيلة، أشارت المحكمة إلى بعض الإجراءات التي تتخذها الإمارات بالفعل"
وأضاف البيان: "وبدلاً من هذه المناورات التي لا جدوى منها، ينبغي على قطر أن تتجاوب مع المطالب المشروعة لدولة الإمارات والدول المقاطعة الأخرى فيما يتعلق بدعم قطر المستمر للإرهاب وجهودها لزعزعة استقرار المنطقة".
وتابع البيان: دولة الإمارات ترحب بالمواطنين القطريين على أراضيها".
ويرى مراقبون، أن رد فعل الإمارات الرسمي منفصل عن الواقع، ويسعى لطرح قضايا غير مطروحة في الشكوى التي تنظرها المحكمة، وهو استمرار لنفس الطريقة التي أدارت فيها أبوظبي هذه القضية أمام المحكمة ما جلب لها "هذه الإدانة" على ما يقول ناشطون.
فالكاتب والإعلامي الإماراتي أحمد الشيبة النعيمي، غرد على حسابه في "تويتر"، قائلا: "بعد الإدانة التي تلقتها الإمارات من محكمة العدل الدولية، نسأل سؤال هو من حق كل غيور على الوطن: من الذي يعبث بسمعة الدولة في الداخل والخارج؟ وإلى متى يستمر هذا العبث؟”، على حد تعبيره.
ومن جهته، قال محمد علي الحمادي، وهو محام ومحكم، عضو لجنة الاستئناف في اتحاد الكرة الإماراتي، “منذ بداية المقاطعة والإمارات سمحت بدخول الأقارب، وسمحت للطلاب استكمال دراستهم، وشخصياً لدي معرفة بطلاب قطريين لا زالوا يدرسون في الإمارات، ولم تمنع الإمارات أي قطري من رفع دعوى أمام القضاء الاماراتي ..ما يتحدثون عنه مجرد انتصارات وهمية”، على حد قوله.
ردود الفعل القطرية
قبيل ساعات من نطق المحكمة بقراراتها، أكدت لولوة الخاطر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، إن الدوحة لا تهدف لتصعيد الأزمة مع الإمارات من خلال الشكوى التي رفعتها ضدها لدى محكمة العدل الدولية، بقدر ما يعنيها رفع الضرر عن مواطنيها المتضررين.
وأضافت: “الحقيقة المسألة مسألة قانونية وفنية صرفة وليست سياسية أو تحيزا ضد دولة معينة، المسألة أن هناك اتفاقية أممية تشترك فيها قطر والإمارات".
أما وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، فقد رحب بالقرار، قائلا:" نرحب بقرار محكمة العدل الدولية الصادر اليوم" (الاثنين).
من جانبه، رحب سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي في دولة قطر، بقرار المحكمة. وقال على تويتر:” ما صدر من حكم “يعتبر المرحلة الأولى فقط من اجراءات الجهات العدلية الدولية لاسترداد حقوق المواطن القطري من الناحية الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية"، على حد تعبيره.
ومن جهتها، رحّبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر بقرار المحكمة واعبترته "خطوة مهمة ومفصلية نحو استصدار القرار النهائي من المحكمة الدولية لاحقا، بغرض إنصاف الضحايا وتعويضهم عن الأضرار الناجمة بحقهم"، على حد تقديرها.
ورأت في القرار “إدانة دولية من أكبر جهاز قضائي في منظومة الأمم المتحدة للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها دولة الإمارات حيث يعتبر القرار غير قابل للاستئناف او الامتناع عن التنفيذ وتطالب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سلطات الإمارات بسرعة التنفيذ والتقيد بأحكام القرار”، على حد وصفها.
تبعات القرار
قرارات المحكمة، الصادرة الاثنين، ليست سوى، المرحلة الأولى (المؤقتة)، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الحكم أو اختصاص المحكمة بنظر القضية. وأخيراً الحكم النهائي. وهناك مرحلة رابعة محتملة، وهي المرحلة التي تقدر فيها المحكمة الضرر، وإن كان هناك تعويضات.
وفي حال أدينت دولة الإمارات فستقر المحكمة الدولية- بحسب قانونها- قرارات ثم تحيلها إلى مجلس الأمن لمتابعة تنفيذها، وتجبرها على رفع إجراءاتها عن قطر مع دفع التعويضات، أو اتخاذ إجراءات دولية بحقها؛ منها حظر بيع الأسلحة، وتعليق أو إلغاء الاتفاقيات التجارية، أو تجميد عضويتها في الأمم المتحدة، فضلاً عن تراجع سمعتها وصورتها دولياً وإقليمياً.
الأستاذ الزائر في المعهد الدولي لحقوق الإنسان "ستراسبورغ"، أيمن سلامة، قال: إن استجابة محكمة العدل الدولية للطلب القطري ستكون لها تداعيات تتخطى منطقة الشرق الأوسط. وأضاف: في حال موافقة المحكمة على طلب واحد من التدابير التحفظية، التي طلبتها قطر فإن هذا سيمثل صدمة للرياض، والتي لها منفذ بري مباشر مع قطر، واتخذت نفس الإجراءات الإماراتية، وربما أشد، وهذا سيكون له تأثير سياسي ودعائي وإعلامي وثقافي واجتماعي على باقي دول المقاطعة.
ولكن، ما يثير قلق الإماراتيين هو ورود اسم بلادهم في اتهامات تمييز عنصري، وهو ما يتعارض تماما مع سمعة الدولة ومكانتها جملة وتفصيلا، ويفند من الأساس، الرواية الرئيسية للدولة من أنها دولة تسامح وانفتاح، عندما تستشهد بـ200 جنسية يعيشون في الدولة في انسجام و وئام!