حتى قبل انعقاد القمة العربية الخامسة والعشرين في الكويت كانت هناك توقعات بأنها قد لا تعقد بسبب التباين وحجم الخلافات المستحكم الذي كان ولا يزال يصبغ المشهد العربي المرتبك. وأضاف الخلاف الخليجي- الخليجي بعداً آخر لم يكن في الحسبان. وعلى رغم عدم إدراج الخلاف الخليجي- الخليجي الذي تفجر بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة ودولة قطر من جهة ثانية، إلا أن أجواء القمة كانت ملبدة بذلك الخلاف، وخاصة أن القمة تعقد في دولة خليجية هي الكويت، حيث يتطلع طرفا الخلاف ومعهما بقية العرب لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر والانخراط في وساطة يتحدث عنها الجميع ولاحت بوادرها بالصورة التي احتلت صدر الصحف الكويتية في اليوم التالي للقمة والتي جمعت بين ثلاثة أمراء، أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد متوسطاً ومبتسماً وممسكاً بيديه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، في طريقهم للجلسة الافتتاحية في قصر بيان مكان انعقاد القمة العربية التي حملت شعاراً معبراً وطموحاً: «قمة التضامن من أجل مستقبل أفضل».
وعلى رغم التمثيل المعتاد للقادة العرب في قمة الكويت حيث تمثلت القمة بحضور ومشاركة ثلاثة عشر رئيس دولة، وقد لوحظ أن معظم الكلمات التي ألقيت من قِبل قادة الدول أو من مثلهم كانت مكررة وبعضها مستهلك وطويل، وحتى ممل وخاصة كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وعُقدت القمة العربية وسط زحمة أحداث دولية كأزمة أوكرانيا وطرد روسيا من مجموعة الثماني، وتزامناً مع قمة الأمن النووي، وتأكيد سقوط الطائرة الماليزية المختفية.
وانعقدت القمة أيضاً في أجواء بالغة الانقسام والتردي والاحتقان والمواجهات وعادت حتى لغة التخوين، في ظل خلافات متفاقمة تعصف بالكيان والنظام العربي ككل..أطلقت عليها صفة الحرب الباردة العربية. وقد سعت القمة للابتعاد عن دواعي التباين وترحيل الملفات الشائكة والمعقدة، وما أكثرها.
وقد اتهم كل من بشار الأسد الذي علقت عضوية بلاده في الجامعة العربية ونوري المالكي المرشح لولاية ثالثة في العراق -ولم يحضر القمة- دولتين خليجيتين بدعم الإرهاب وإعلان الحرب على بلديهما. وقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي في الرياض أن «سوريا بلد محتل» من قبل إيران. وكان واضحاً التباين حتى قبل انعقاد القمة والخلاف حول سوريا، والتراجع عن منح مقعدها للائتلاف الوطني السوري المعارض أسوة بما تم إقراره في القمة الرابعة والعشرين في الدوحة عام 2013. وكان واضحاً عتب المعارضة السورية في كلمة رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا -بعد رفض منح مقعد بلاده للائتلاف المعارض ورفع علم النظام السوري في قاعة انعقاد القمة «قاعة التحرير في قصر بيان»، مع إبقاء مقعد سوريا الحاضر الغائب فارغاً دون أن يشغله النظام أو المعارضة- بتأكيده أن الرسالة التي ترسلها القمة للأسد هي «اقتل.. اقتل والمقعد ينتظرك بعدما تحسم حربك».. ورفع الجربا من سقف المطالبات من العرب بدعوته إلى تسليح المعارضة السورية وتسليم مقعد سوريا والسفارات السورية في الدول العربية للائتلاف الوطني السوري.
أما معظم القادة فقد ركزوا في كلماتهم على هموم دولهم، والمطالبة بتقديم الدعم والمساندة للتغلب على مشاكلهم. ولكن أربع قضايا كانت هي الجامع المشترك بين كلمات القادة: وهي محورية القضية الفلسطينية، ونبذ الفرقة والخلاف، والأزمة السورية، ومكافحة الإرهاب مع الاختلاف على تعريفه.
وطالب رئيس القمة أمير دولة الكويت في كلمته مع العديد من قادة الدول العربية بإعطاء أولوية لتوحيد الصف العربي ونبذ الخلافات والفرقة مؤكداً على ضرورة «وضع حد للخلافات» محذراً: «انبذوا الخلافات ووحدوا الصفوف... إما الخلاف والجمود أو التوافق والتقدم..». أما بالنسبة لمواجهة ومكافحة الإرهاب فقد أكد «إعلان الكويت» الذي صدر في ختام القمة العربية إدانة جميع أنواع الإرهاب داعياً إلى مقاومته واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه. وكان أمير دولة قطر تميم بن حمد أدان في كلمته الإرهاب، وفي غمز من قناة رئيس الوزراء العراقي الذي اتهم هذا الشهر كلاً من السعودية وقطر بشن حرب على العراق ودعم الإرهاب علق أمير قطر منتقداً: «لا يجوز دمغ الطوائف بالإرهاب وإلصاقه بالمعارضة السياسية». أما ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي كانت بلاده قد صنفت العديد من الجماعات والتنظيمات كجماعات إرهابية وخاصة «القاعدة» وجماعة «الإخوان المسلمين» وجبهة النصرة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«حزب الله» -في المملكة، فقد أكد أن «الإرهاب بات خطراً على الأمن ووسيلة لزرع الفتنة.. وأن المملكة لن تألو جهداً في التصدي لأصحاب الفكر الضال وتنظيماتهم».
وقد شكلت الأزمة السورية موضوع تباين كبيراً بعدما طفا على السطح أن ما لا يقل عن ثلاث أو أربع دول عربية هددت بالانسحاب من القمة إذا مُنح مقعد سوريا للمعارضة! وثار جدل طويل حول منح مقعد سوريا للمعارضة. واستغرب ولي العهد السعودي في كلمته عدم منح مقعد سوريا للائتلاف الوطني السوري.
فيما اكتفى «إعلان الكويت» بإدانة النظام السوري وما يقترفه من القتل والتنكيل بالشعب السوري، وتحميله مسؤولية المعاناة التي يعانيها السوريون، مع تأكيد أنه لا حل للأزمة السورية سوى الحل السياسي وفقاً لمرجعية جنيف 1 والمحافظة على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة ترابها، مع الإشادة بدور الكويت وسمو الأمير الذي وصف في كمة وجدانية مطالبته لمجلس الأمن للعب دوره وإعادة مصداقيته في حفظ الأمن والسلم الدوليين والسعي لوضع حد للكارثة الإنسانية في سوريا مستشهداً بتقرير جديد لمنظمة اليونيسيف للطفولة يتحدث عن «ضياع جيل» كامل من الأطفال -5,5 مليون طفل سوري من 10 ملايين سوري مشرد ولاجئ ونازح وبلا مأوى وبلا مدارس وأمن.. ووصف ذلك بـ«الكارثة الأكبر في تاريخنا المعاصر».
وكان واضحاً في إعلان الكويت النهج البراغماتي والحلول الوسط.. فقد أقر الإعلان بأن «الائتلاف السوري هو ممثل شرعي للشعب السوري»، ولاحقاً علق الأمين العام للجامعة العربية بأنه في القمة العربية القادمة السادسة والعشرين في مصر سيكون للائتلاف السوري مقعد استثنائي في القمة.. ما يعني أن التباين سيعود ليظهر من جديد حول الأزمة السورية مستقبلاً.
واحتلت القضية الفلسطينية «قضية العرب المركزية الأولى» حيزاً كبيراً أيضاً من المداولات وكلمات القادة، وأدان «إعلان الكويت» السياسات الإسرائيلية، داعياً للتوصل إلى سلام عادل ودائم وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ورفض تهويد القدس، ووصف الانتهاكات الإسرائيلية بأنها عائق وعقبة أمام تحقيق السلام.. وأكد الإعلان أيضاً احترام الشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس مطالباً بالمصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
وقد تمخضت القمة أيضاً عن ترحيل بعض الملفات وتأجيل خلافات مع استمرار التحديات. والمؤلم أن القمة بعد أن استمعت لمداولاتها وكلمات القادة خلت من مشاريع مستقبلية استراتيجية. وقد اقتنعت أكثر بأننا في العالم العربي نعجز عن التخطيط الاستراتيجي، وبالتالي تمنعنا الخلافات والحروب الباردة فيما بيننا عن بلورة مشروع عربي جامع يجعل منا رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية. ووارى العرب الخلافات المستحكمة والشائكة التي تعصف بنا وبوجودنا وتطلعاتنا كما وصفها أمير الكويت وتركوها جانباً... بانتظار قمة عربية أخرى ترحل فيها هي أيضاً الأزمات والخلافات.
وفي الوقت الذي اتفق فيه الجميع على الحاجة إلى حل سلمي للأزمة السورية، وكذلك دعم القضية الفلسطينية... ولكن لم يقدم أحد شرحاً لكيفية تحقيق ذلك! سوى السعودية التي قدمت وصفة لإنهاء المأزق السوري بتغيير موازين القوى لصالح المعارضة بعد أن أكد الأمير سلمان، ولي العهد السعودي، في كلمته أن المجتمع الدولي خذل المقاومة السورية وتركها فريسة لقوى غاشمة.
وعلى ضوء ما تمخض اليوم من نقاشات وصف كثيرون القمة العربية الخامسة والعشرين في الكويت بأنها كانت قمة «أفضل الممكن»، في ظل الظروف والمعطيات الضاغطة. وتبقى كلمة شكر وتقدير لسمو أمير دولة الكويت على ما تحمله من جهد على رغم وضعه الصحي وفترة النقاهة بعد العملية الجراحية التي أجراها مؤخراً... وكل قمة عربية والعرب بخير!