أثار هبوط مركبة برسيفيرانس على سطح المريخ فضول مستخدمي الإنترنت، حيث اتصل بعضهم بموقع "إل سي آي" (LCI) الفرنسي متسائلين عن مكان المياه التي اكتُشفت مؤخرا والتي لم تكن موجودة في الماضي على سطح المريخ.
وفي التقرير الذي نشره موقع "إل سي آي" قال الكاتب توماس ديسبوت إنّ مركبة برسيفيرانس الجوالة حطت بنجاح على سطح المريخ في 18 فبراير الجاري، وذلك من أجل أن تفتح المجال لاستكشاف الكوكب الأحمر.
وتضطلع المركبة بمهمة رئيسية وهي التحقق من وجود حياة سابقة على سطح هذا الكوكب، واستكشاف الأماكن التي يشتبه العلماء في أنها كانت في يوم ما مسطحات مائية أو أنهارا أو دلتا.
وأضاف الكاتب أنّ هذه المهمة التي تقودها وكالة "ناسا" (NASA) تثير فضول العديد من الأشخاص الذين يُبدون اهتماما باستكشاف عالم الفضاء، حيث تلقى الموقع تفاعلات ورسائل عديدة من مستخدمي الإنترنت عن المياه التي كانت على كوكب المريخ، ومن تلك الرسائل: "على الأرض لا يختفي شيء ما فجأة، ولا ينشأ شيء ما فجأة، ولكن كل شيء يتغير"، و"أين المياه التي كانت على المريخ في الماضي؟".
وللإجابة عن هذه التساؤلات استعان الموقع بالمختص فرانسيس روكار، وهو عالم الفيزياء الفلكية ورئيس برنامج استكشاف النظام الشمسي في المركز الوطني للأبحاث الفضائية.
يقول فرانسيس روكار إن العديد من الفرق البحثية في جميع أنحاء العالم حاولت ضبط التوازن الكمي المائي على سطح المريخ، لكن النتائج جزئية للغاية، وما يمكن الجزم به هو ارتفاع درجة برودة الكوكب، أي أنه "فقد الكثير من مياهه".
ويمكن اليوم الإقرار بوجود جليد على مستوى القطبين خاصة، ويمكن تحديده كميا، ولكن إذا كان هناك ماء في جزء من القشرة تحت الأرضية للكوكب فيتعين تحديد الكميات المعنية، "وهنا، من الصعب تقدير حجم المياه بدقة".
ووفق ما قاله روكار، فإنه لفهم كيفية اختفاء الكثير من المياه من على سطح المريخ يجب أن نبحث عن التغيرات منذ العديد من السنين. وتجدر الإشارة إلى أن الكوكب فقد مجاله المغناطيسي العالمي منذ 3.9 مليار سنة، وقد أدّى ذلك إلى تبعات مهمة على حد تأكيد عالم الفيزياء الفلكية الذي أوضح أن "الغلاف الجوي للمريخ أصبح في اتصال مباشر مع الرياح الشمسية التي تتحرك بسرعة 400 كيلومتر في الثانية".
وقد أثر هذا العامل في طبقات الجو العليا لمدة 4 مليارات سنة، وهو ما تسبّب في "تكسّر" جزيئاته تدريجيا بسبب الأيونات. ويفسّر روكار أنّ "تكسّر جزيء الماء يفرز ذرة هيدروجين وجذر الهيدروكسيل (يتألف من ذرة هيدروجين وذرة أوكسجين مع إلكترون غير مزاوج).
وخلاصة القول هي أننا سنفقد جزيء الماء، وهذه هي الطريقة التي يفقد بها المريخ شيئا فشيئا مياهه من خلال التفاعل بين الرياح الشمسية وطبقات الجو العليا.
وحسب ما قاله المختص للموقع، فليس من الضروري أن يكون الماء موجودا في شكل سائل فقط، "نظرا لحقيقة أن المريخ أصبح صحراء جليدية، فقد تكثّف جزء من الماء بالجليد في الأرض ليُدفن تحت طبقات من الغبار.
ويُعتقد أنه قد يكون هناك طبقة جليدية يتراوح سمكها بين متر و10 أمتار، وقد تكون مخفية لكنّها ستظل كذلك لملايين السنين.
وهناك أيضا مهمة تريد ناسا إطلاقها في هذا الصدد، وهي أنه بحلول عام 2026 ومن خلال الاستعانة برادار مخصص سيتم رسم خرائط الجليد على سطح المريخ".
وفي الوقت الراهن لا يمكن الجزم بكمية المياه التي كانت موجودة على سطح الكوكب الأحمر أو التي ما زالت موجودة، إضافة إلى وجود أولويات أخرى ترتسم في طريق العلماء.
ويختم فرانسيس روكار بالقول إننا "اليوم أمام الرحلة رقم 50 التي وجّهت لاستكشاف المريخ، ورغم أنه أخفق الكثير منها فإنه اليوم في رصيدنا الكثير من البيانات. ومن المتفق عليه أن تحديد التوازن الكميّ المائي ما زال صعبا"، خاصة أن دراسات عدّة سلطت الضوء على هذا الموضوع لمدة 20 عاما. وقد حققنا اليوم الهدف الأساسي وأصبحت البعثات الآن تركز أكثر على "الكربون وعلى آثار الحياة