نفكر بشكل غريب أحيانا في الأمور التي تحدث بعيدا عنا، ولكنها تلازمنا كظلنا، أحداث كبيرة وشديدة القسوة ومعقدة، لم نرها في حياتنا ولم تحدث قريبا منا بمعنى لم نتلامس أو نتعايش معها، لكنها تحدث في مدارات الرؤية الافتراضية ونطاقات المعرفة والمتابعة التي أتاحتها لنا التقنية والاتصال وثورة التواصل، أحداث مرعبة، طاحنة ومفتتة، مختلطة وغير واضحة الملامح وطويلة الأمد وحاصدة للأرواح وللسلام وللمدن، أحداث كالزلازل والفيضانات والحروب والاقتتالات الطائفية، والصراعات المسلحة، بعيدة عن متناول أيدينا وجغرافيتنا المادية، لكنها في الواقع تحدث على مرمى نظرة وعلى مدى خطوتين وضغطة «ريموت كونترول»!
نحن نرسم صورة وحالة افتراضية لحياة الناس وكيفية تمضية الوقت ومرور الزمن في خضم تلك الأحداث، نبني على ما تنقله لنا نشرات الأخبار، صور الوكالات العالمية، تقارير المراسلين الحربيين، وما ينقله الناس العاديون الذين يعيشون وسط تلك الأحداث عبر صفحاتهم على مواقع التواصل إن وجدت، وأحيانا نتطوع بوضع افتراضات شخصية من خيالنا ! ثم نظن أننا أحطنا بكل الحقيقة أو بشيء مما يحدث هناك، لكن مع ذلك فنحن لا نعرف شيئا أو على الأقل لا نعرف الحقيقة أو كل الحقيقة، نحن نعرف ما يراد لنا أن نعرفه فقط، ما تريدنا أطراف الصراع أن نعرفه أو ما يريدنا الغالب أو المنتصر أن نعرفه، وما تريدنا وسائل الإعلام ذات الأجندات الخاصة أن نعرفه، علينا أن نقتنع تماما أنه في مناطق الصراعات والحروب والاقتتالات لا أحد بريئا ولا أحد محايدا ولا أحد يقدم الحقيقة لوجه الله والحقيقة !
كنت أتابع برنامجا على إحدى الشاشات فإذا بأحد الزملاء المعروفين بتقديمه برامج مسابقات معروف يسأل السيدة التي يفترض أنها قد فازت بالجائزة عن اسمها فذكرت له اسمها وأنها من الشام؟ توقفت كثيرا عند تلك اللقطة، فلكي تفوز هذه السيدة بالسحب عليها أن تتصل مئات المرات وتنفق مبالغ كثيرة لأجل ذلك، فهل أهل الشام فعلا في وارد هذه الممارسة المبالغ في ترفها إزاء الحالة المأساوية التي يعيشونها؟ أم أننا نحن من نرسم صورة خاطئة ونصدقها ونبني عليها فيما بعد استنتاجاتنا حيال ما يعرض علينا؟ في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية التي طحنت بلدا جميلا من أوله لآخره ولعشرين عاما، كان القتل على الهوية، وكان القتل مجانياً، مع ذل فقد كانت ممجلات معينة تنشر صورا لعروض الأزياء وحفلات انتخاب ملكات الجمال هناك ! وقيسوا على ذلك حالات كثيرة جدا، بمعنى أن الحياة لا تتوقف في أي مكان حتى في مناطق الحروب وعلى حواف البراكين، ولذا علينا أن لا نسأل فيما إذا كان ما تنشره المجلات والصحف غير صحيح أم أن تصوراتنا لما نظنه حقيقة هو غير الصحيح والمليء بالمغالطات الصادمة !
طيلة الشهور الماضية ونحن نتابع تطورات الوضع السوري، كنت أتساءل عن ماهية البراميل المتفجرة؟ كانت الأخبار تمر على العنوان مرور الكرام، مجرد براميل متفجرة، ولم تثر ثائرة الغرب عليها رغم بشاعتها التي لا تقل عن بشاعة الأسلحة الكيماوية وقنابل النابالم والعنقودية المحرمة، لم تنتفض أميركا كما جن جنونها لضم جزيرة البلقان الى روسيا، كانت البراميل في ظني شيئا بشعا، لكنها كأي سلاح قاتل إلى أن قرأت ما كتبته الكاتبة سمر يزبك على صفحتها في الفيسبوك حول البراميل الأسدية، فأيقنت أننا لا نعرف مما يحدث في سوريا سوى أخبار التلفزيون والصحف..
تلك ليست كل الحرب ولا كل الحقيقة، فالناس يقولون الحقيقة بشكل أكثر صدقاً من أهل الإعلام المتخصصين أحيانا !!