بقلق واضح طلب مني أحد القراء أن يقوم كتاب الأعمدة في صحافتنا بتبني مبادرة تكاتف مجتمعي ضد الظواهر والعادات الدخيلة على مجتمعنا، في محاولة للوقوف في وجه تيار التباعد عن الهوية والأصالة العربية التي تميز الإماراتيين، كان مما قاله بكل قلق: «أخشى على ابنتي أن تتبنى هوية غير هويتها، وأكاد أموت رعباً من أن أرى ابني يرتدى أزياء غريبة ويعلق سلاسل في عنقه»، أكاد ألمس وأرى ذلك الخوف في قلبه، لكنني لم أستطع أن أقنعه بأن الصحافة ليست جدار الصد الأول لحماية منظومة القيم في أي مجتمع، للصحافة أدوار وتأثيرات مهمة، لكن في غرس القيم ومفاهيم الهوية وكل ما يتعلق بخطوط التربية الأساسية فإن الأسرة هي الحائط الأول والثاني و..
والعاشر، دون أن نغفل أو نبرئ مناهج وخطط التربية والتعليم والثقافة المجتمعية العامة وكذا سياسات الدولة في مناح كثيرة.
سألني: وماذا يفعل الأبناء إذا لم توجد الأسرة؟ سؤاله بدا مفاجئاً، فأين يمكن أن تذهب الأسرة؟ قال: قرأت إن الإمارات سجلت أعلى معدل للطلاق بعدد 1800 حالة طلاق العام الماضي، فكيف نتخيل مصير الأبناء في هذه الأسر؟ كان علي أن أقنعه - ليس يأساً ولا إحباطاً - أن التفكير المنطقي يتطلب منا مواجهة الواقع بشجاعة والبناء على هذه الحقائق، علينا أن نبني حلولنا وسياساتنا التربوية ومناهجنا وبرامج إعلامنا على حقائق هذا الواقع بشرط أن نشعر بمدى خطورته على الأجيال، الذين نعدهم اليوم ليحملونا، ويحملوا هذا الوطن في المستقبل، ولن يحمل عبء الوطن إلا من تربى على محبته والولاء له ضمن منظومة قيم راسخة مستمدة من عقيدة وثقافة وأصالة وتاريخ وعادات وهوية هذا الوطن، هذا كله لا تعطيه ولا تغرسه فينا سوى الأسرة -الأم والأب - أولاً والتعليم ثانياً.
نعم الكتاب والروائيون والصحفيون وحتى الباحثون، والفلاسفة لا يربون ولا يؤدون ما تؤديه الأسرة ومناهج التعليم وبرامج التليفزيون وأفلام السينما ودور العبادة والمعلمون، مع ذلك يمكنهم أن يلعبوا دور الموجه والداعي لهذا كله، يمكنهم أن يعلقوا الجرس وأن يقرعوه باستمرار للتنبيه والتذكير، فحتى الأم تنسى وحتى الأب يغفل وكلنا بحاجه من ينبهنا، علينا أن ننتبه إلى أن جيل الصغار اليوم يواجهون أخطارا حقيقية تواجههم أحيانا وهم آمنين في داخل بيوتهم كما تواجههم حين يخرجون للمجتمع باتجاه المدرسة والنادي والشارع والمقهى والمركز التجاري ودار السينما ومحال الألعاب أو وهم يجلسون باسترخاء مريب يقلبون شاشة الآيباد أو الهاتف الذكي بأصبع واحدة، علينا في هذه الأيام أن نتمتع كآباء وأمهات بأكبر قدر من الانتباه والوعي والصراحة والمواجهة ونحن نربي أبناءنا في ظرف صعب ووسط تحديات كلنا نعرف حجم مخاطرها.
في الطلاق الكل خاسر بامتياز: المرأة، الرجل، الأبناء والمجتمع، ولذا فإن جهوداً وخططاً حكومية جبارة يجب أن توضع للحد من هذا الخطر تماماً كتلك الخطط والاستراتيجيات، التي تضعها وزارة الداخلية للحد من حوادث الطرق ووفيات الشوارع، ذلك أن حوادث الطلاق ربما تكون أشد فتكاً وضرراً، لأننا لا نريد جيلاً من أبناء الإمارات يتأسس اليوم -فعلاً - خارج مؤسسة الأسرة أن يواجهنا في المستقبل بما لا نريد أن نراه ونسمعه، علينا أن ننتبه جيداً!