منصور أنور حبيب
سؤال طرح نفسه بقوة في الآونة الأخيرة وخصوصاً بعد تطبيق مبادرات الحكومة الذكية والمدينة الذكية في أرجاء دولتنا الذكية.
الإجابة بسيطة وخصوصاً بعد انتشار الهواتف والأجهزة اللوحية الذكية والتي تعتبر الحجر الأساس لربط الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية والخاصة لمستفيديها. فالفرد أياً كان عمره يستطيع في فترة وجيزة التعامل مع الهاتف أو الجهاز اللوحي وبالتالي يصبح ذكياً في أيام قلائل. ففي كبسة زر واحدة تنتهي معاملات وتنجز، وفي تطبيق واحد تتجدد البطاقات وتدفع المخالفات.
في خضم هذا الحراك الذكي يبرز تحد مهم وهو كيفية توظيف التكنولوجيا في جعل عالم الصحة والمرض ذكياً؟
هناك شقان لهذا العالم: الوقائي والعلاجي. أما في الشق الوقائي يكون الفرد خالياً من الأمراض وفي صحة وعافية. هنا تنطبق مقولة "الوقاية خير من العلاج" ونستطيع من خلالها أن نجعل الوقاية ذكية لأبعد الحدود. لو دخل الواحد فينا لأحد المحلات الكبرى سيجد قسماً خاصاً بأدوات اللياقة الذكية من أساور يد إلى أجهزة قياس وزن وعدادات المشي وانتهاءً بالساعات الذكية التي تقيس نبضات القلب والسعرات الحرارية.
الهدف المشترك لجميع ما ذكر هو إيجاد أرضية صلبة لتشجيع الفرد على أسلوب الحياة الصحي ومحاربة أهم عامل خطورة وهو السمنة. ولا ننسى عدد التطبيقات اللامتناهي في هواتفنا الذكية وما تحويها من بيانات دقيقة لكل ما نأكل ونشرب ولكل حركة نقوم بها وكأنها المثقف الصحي الخاص لنا في حلنا وترحالنا. إذن أين المشكلة في جعل الشق الوقائي ذكياً؟
سلوك الفرد هو الفيصل. المعظم إن لم أقل الجميع قام على الأقل بتنزيل تطبيق يخص الصحة واللياقة والأكل الصحي. لكن كم واحداً غيّر من سلوكه اليومي ومن عاداته غير الذكية؟ الذكاء ليس في تصميم التطبيق ووضعه في المتجر الإلكتروني، الذكاء ليس في وضع أرشيف من تطبيقات اللياقة في الهاتف والتبجح بها أمام الغير، إنما في تفعيلها وجعلها روتيناً يومياً.
إحدى الأفكار البسيطة هي تحقيق 10000 خطوة مشي كهدف يومي والاستعانة بأدوات اللياقة الذكية والهاتف لتحقيق ذلك. وبما أن الإنسان مخلوق اجتماعي، يستطيع من عمل مسابقات جماعية بين أفراد الأسرة أو في بيئة العمل لإضافة عنصر التشويق والمنافسة.
أما في الشق العلاجي، فهناك الكثير من الحلول الذكية لمساعدة المرضى وذويهم لكن قبل ذلك يجب الالتفات إلى نقطة مهمة. على مر العصور بنيت العلاقة بين الطبيب والمريض على أساس التواصل وجهاً لوجهة يقوم خلالها الطبيب بالاستماع إلى المريض بجميع جوارحه ومن ثم فحص المريض ومنطقة المرض من أذن أو صدر وما يعقبها من قياس لضغط الدم والسكري. التخوف الجوهري هو انه باستخدام الحلول الذكية والافتراضية عن بعد ستنقطع العلاقة المذكورة ويفقد الطب فحواه.
هنا يجب التأكيد أن خصوصية علاقة الطبيب والمريض لن تزيلها أي أداة أو تطبيق ذكي. الهدف الأساس من التكنولوجيا هو تسخيرها لتسهيل حياة المريض والوصول إليه أينما كان. لنأخذ مثالين. في الأول يقوم الفرد من نومه بألم بسيط في الحلق ورشح فيأخذ الهاتف ويتصل في خدمة الطبيب الذكي. تطبيق يربط المريض بالطبيب مباشرة وهو في عيادته ومن خلال الصوت والصورة يشرح المريض أعراضه للطبيب ويتفق الاثنان على الخطة العلاجية ويرسل بعدهها الطبي الوصفة الدوائية للصيدلية القريبة من بيت المريض طالباً منه التوجه لأقرب مستشفى إذا لم تتحسن الحالة في يوم أو اثنين.
سيقول القارئ وأين الفحص الطبي وماذا لو في التهاب حاد وماذا لو ولو... هنا يجب التنويه أن الخدمات المذكورة تكون للحالات البسيطة وليست الطارئة. سيكون الجواب وكيف لي كمريض التمييز. وهنا مربط الفرس، الثقافة الصحية والوعي الصحي. في اعتقادي هذا هو أهم سبب يجعلنا نتردد في الاعتماد على أنفسنا عندما يتعلق الأمر بالصحة. والصراحة إذا لم نأخذ زمام المبادرة في تثقيف أنفسنا وأهلينا صحياً ولو القدر اليسير فإن المدينة الذكية ستكون غبية صحياً!!
في المثال الثاني، مسن يعاني من الضغط والسكري يعيش في منطقة تبعد مسافة 25 كيلومتراً أو أكثر من أقرب مستشفى. تقوم ابنته برعايته. تصل إلى هاتفها رسائل يومية لتذكيرها بموعد أدوية والدها. مجموعة أخرى من الرسائل تصل بشكل أسبوعي لتقديم النصائح في كيفية الاهتمام بقدم المصاب بالسكري. في نهاية اليوم تقوم البنت بقياس ضغط دم والدها ونسبة السكر في الدم.
وعن طريق البلوتوث ترسل الأجهزة قياساتها إلى الهاتف الذكي والذي بدوره يرسل القراءات لملف المريض الإلكتروني ونسخة أخرى لهاتف الطبيب الذكي والذي ما أن يرى قراءة السكر العالية يتصل بالمريض ويطمئن عليه طالباً من ابنته إحضاره لإعادة جدولة الخطة العلاجية.
إذن بالتحرر من روتين العادات الصحية الغبية وزرع مفهوم الثقافة الصحية في كل بيت نستطيع تطبيق الأمثلة المذكورة وغيرها من الحلول الذكية بكل سهولة ويسر جاعلين من إماراتنا الحبيبة بحق "ذكية في الصحة والمرض".