سامي الريامي
في مجلس رجل أعمال إماراتي شهير، جلست مصادفة بجانب سفير دولة أوروبية تعد واحدة من أقوى دول أوروبا والعالم سياسياً واقتصادياً، وبطبيعة الحال بدأنا التحاور في بعض الأمور العامة بين البلدين، وكان واضحاً أسلوب المجاملة من الطرفين، فهو دبلوماسي محنك، وأنا أجلس في مجلس عام لشخصية مرموقة، ولابد من وزن أي كلمة قبل التفوه بها، فتأثيرها قد يتجاوز المكان، إن لم تكن مناسبة!
حرص السفير على التدرج في الحديث، والتحكم في زمام الحوار، وكان واضحاً أنه يريد الوصول إلى نقطة للتركيز عليها، سرعان ما وصل إليها، فقال: «شخصياً، وبعيداً عن منصبي، فأنا أحب فكرة المجالس التي رأيتها في الإمارات، وزرت الكثير منها في أبوظبي ودبي وبقية الإمارات، ولهذا السبب أنا هنا اليوم، فهي فكرة رائعة، وأحب فيها الاختلاط بكل فئات المجتمع»،
طبعا مازلنا في حوار المجاملة، أو هكذا اعتقدت، فلم أعلق كثيراً، وتركت له العنان في الشرح بعد أن سألته ممازحاً: «تقصد فكرة المجلس أم تصميمه وديكوراته؟!»، ربما فهم المقصد، فجميعنا يعرف أن الغرب لا يؤمن إلا بنظرياته وديمقراطيته، وخلاف ذلك فهو أمر لا يصلح لحياة الناس، لذلك هم حريصون على نشر أفكارهم بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، بل هم على قناعة تامة بأن الأنظمة إن لم تكن شبيهة بأنظمتهم فحقوق الشعب لن تكون كاملة، بل يعتبرونها مسلوبة، لذلك أجاب مسرعا: «صدقني أنا معجب بالاثنين، بالفكرة والتصميم، وحتى جلوس الناس بهذه الطريقة وهذا التنوع، صدقني أتمنى لو أستطيع نقل فكرة المجلس لبلادي، أو على أقل تقدير أسهم في إنشاء مجلس مشترك بين بلادي وبلادكم في عاصمتنا، نلتقي فيه مع مختلف المسؤولين من كل القطاعات، أريد أن يرى الناس عندنا المجلس وما يحدث فيه، أؤكد لك أن هذه الفكرة مذهلة وسيكون لها أثر إيجابي».
أضاف بشكل أوضح حتى يدحض شكوكي: «نحن دولة متطورة، بل متطورة جداً، لسنا نحن فقط بل معظم الدول الأوروبية، لكننا لانزال نعاني بيروقراطية عجيبة، بل معقدة، وهذه البيروقراطية ليست دائماً في مصلحة الشعوب، لقد لاحظت أن المجالس في الإمارات فيها كسر غير تقليدي لهذه البيروقراطية، لقد شاهدت بعيني قرارات تتخذ، وحوارات تدور، وصفقات تعقد، واقتصاداً ينمو، ومشكلات معقدة تحل، كل ذلك من خلال لقاءات تتم في هذه المجالس، إنها مشاررة فاعلة بين المسؤولين وكل فئات المجتمع، لا أعتقد أن هناك ما يمكن أن يعرقل أو يقيد أي إجراءات، ليس سهلاً أن تقضي على البيروقراطية!».
بالتأكيد لن ندعي أننا نملك أفضل نظام في العالم، في الوقت الذي يجب على الغرب أن يدرك أيضاً أن نظامه ليس بالضرورة أفضل، وليس بالضرورة قابلاً للاستنساخ والتطبيق في كل دول الشرق والجنوب وبقية العالم، ولا داعي أن يجبروا العالم على تطبيقه، فلكل نظام مزايا وإيجابيات، كما له نواقص وسلبيات، لكن لا يوجد نظام يمكن اعتباره نموذجاً صالحاً للجميع، ويفترض على الجميع الالتزام بتطبيق كل تفاصيله!
تجربتنا الناجحة اقتصادياً واجتماعياً تعني بالضرورة أن هناك نظاماً للحكم والإدارة ناجحاً أيضاً، فلا يمكن أبداً أن يكون هذا التطور والنجاح عشوائيين، وهذا ما دفع دولة متطورة كماليزيا أن ترسل بعثة تعليمية للدراسات العليا كي تدرس تجربة نجاح مدينة دبي، لا يمكن أن يحدث ذلك التطور إلا بوجود نظام حكم فعال، ونموذج إدارة ناجح، وبطبيعة الحال فإن هذا النموذج الناجح له روح ونكهة شرقية منفتحة على العالم، لكنه لم يكن يوماً شبيهاً بأنظمة غربية، وهذا لم يمنعه من النجاح والتميز والتفوق!