« كل شيء يتغير في هذا العالم» كل شيء يتغير حولنا بدءا بالأفكار وانتهاء بالبشر والشجر والحجر، تلك حقيقة غير قابلة للجدل، لكنها قابلة للنقاش حتما، وبالرغم من سطوة قانون التغيير إلا أن هناك من يتوهم أمرين: أن بإمكانه أن يقف في وجه هذا التغيير، والأمر الثاني أن بمقدوره اختيار ألا يتغير، تلك أوهام أو لنقل أنه تفكير في الاتجاه المعاكس، وفي أيامنا هذه فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر شكلا ومحتوى جديدا من أشكال التعبير عن التغيير، وهي على الرغم من كل الأصوات المهاجمة والمنتقدة إلا أنها سطوة هذا الإعلام الجديد تشق طريقها بقوة فارضة قانونها وغير آبهة بتلك الأصوات.
مواقع التواصل لا تتوقف هي الأخرى عن التغيير، فهي تتطور وتزداد، حتى أصيب معظم الناس بسببها بحالة استلاب جماعي إزاء فكرة المشاركة والظهور العلني عبر هذه المواقع، فصار البعض يعتبر عدم وجوده على تويتر تعبيرا عن تخلفه عن الركب، وعدم امتلاكه صفحة على الفيسبوك مظهرا من مظاهر الانعزال والتقوقع، ولا يهم ماذا يقدم عبر حسابه في تويتر أو على صفحته في الفيسبوك أو الانستجرام أو كييك أو كيك، فهذه حرية شخصية وهو حر لا تجوز مساءلته في هذه المسألة، المهم أن يكون موجودا وكفى، صار الناس يتحدثون في حرية الرأي والتعبير وكأنهم يعيشون السويد أو كندا، بينما لو وجدوا شخصا يكتب باتجاه يختلف عن اتجاههم أو يتبنى موقفا مناقضا لهم، فإن لا شيء سينقذه من سلاطة ألسنتهم وأقلامهم، وسيضربون بحق التعبير وحرية الرأي عرض الحائط!
إن عبارات عظيمة من مثل حرية التعبير والإيمان بحق التعبير، وحفظ المسافات والحقوق عند الاختلاف في وجهات النظر لا يمكن أن تعتبر حالة طارئة تسقط على المجتمع هكذا من الفضاء خلال الليل بينما هم نائمون، فيصبحون وقد توزعت أمام أبواب منازلهم علب هدايا ملونة فيها حرية رأي وتعبير و.... إلخ، المسألة ليست بهذا الشكل أبدا ولن تكون، فهذه المفاهيم والقيم والتوجهات الإنسانية العظيمة واحدة من المكتسبات الحضارية والإنجازات الإنسانية العظيمة التي ناضلت المجتمعات للحصول عليها، وخاضت حروبا وصدامات واستغرقت أزمنة طويلة راكمت خلالها تجاربها في هذا الاتجاه أو ذلك لتؤسس لتلك القيمة أو ذلك التوجه أو الفكرة.
اليوم نحن نتغير كمجتمعاتعربية، لكننا للأسف اخترنا أن نتعامل مع كل الأفكار كأشياء، نشتريها لنستهلكها، وننتظر الجديد الذي سيأتي لاحقا، دون أن نمعن النظر فيها ونتأملها جيدا، لنرى مدى حاجتنا لها، مدى إفادتنا واستفادتنا، مدى الإضافات التي أضفناها والمراجعات التي أجريناها، إن مدى استيعابنا للتغيير لا ينحصر في استعدادنا وقدرتنا على شراء الأجهزة واستهلاكها ولكن في وعينا لتأثيراتها وانعكاساتها على سلوكياتنا وأفكارنا وعلاقاتنا الاجتماعية وعلاقتنا بذواتنا وبالآخر، وبمقدار ما أفرزت في حياتنا من قوانين وتغيرات في القناعات والأفكار، أن الإنترنت ليس شبكة معلومات ولكنها تكريس عميق لفكرة حرية وحق الحصول على المعلومات الذي هو حق إنساني عظيم متضمن في الميثاق الدولي لحقوق الإنساني.
مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن إيقافها حتى بوساطة الفرمانات والقوانين الرئاسية كما فعل مبارك أواخر حكمه وكما يفعل أردوغان الآن، لكن هذه المواقع فيها من الشر المستطير الكثير، وفيها ما يستحق الحفاظ والدفاع عنها، نحن من نحدد مسار التغيير، لكن التغيير يمتلك قوة دفعه الذاتية الخاصة به.