قبل أعوام عدة، كانت سيارات الأجرة في دبي تعمل بشكل عشوائي، وتنقصها النظافة، والتنظيم، ولا يمكن التفريق غالباً بين سائق السيارة، والجزار في سوق المواشي، كما أن تعرفة الأجرة كانت مزاجية، وفق أهواء السائق الآسيوي، الذي كان غالباً ما يكون هو مالك السيارة، ويقوم باستئجار رقم الأجرة من مواطن أو مواطنة مسنة، ويدفع نظير الإيجار من 500 إلى 1000 درهم، ويحقق هو أرباحاً تصل إلى 20 ألفاً في المعدل!
الحكومة تدخلت في الأمر، وأنشأت شركة شبه حكومية، قبل أن تضمها إلى هيئة المواصلات التي أدارت العملية برمتها، فخصخصت أعداداً كبيرة من سيارات الأجرة بمواصفات راقية، وأدارت هي مجموعة أخرى بفكر تجاري، فحققت نقلة نوعية أصبحت مثالاً يحتذى في الرقي بهذا القطاع، ولم تنسَ المواطنين أصحاب الأرقام، فحافظت على دخل ثابت لهم، إضافة إلى أرباح سنوية في نهاية كل عام تقريباً، وقضت على سيطرة الآسيويين على قطاع الأجرة!
مثل هذا الفكر هو ما نحتاج إليه لتنظيم قطاع صيد الأسماك، فهو يعاني العشوائية والفوضى، بل تطور الأمر ووصل إلى حد جرائم حقيقية تهدد الثروة السمكية، وتدمّر البيئة البحرية، ليس آخرها تعمد صيد أمهات الأسماك في موسم البيض بـ«ألياخ النايلون»، وهذا سيؤدي دون شك إلى نقص حاد في مخزون أنواع عدة من الأسماك، هذا بخلاف تحكم «المافيا» الآسيوية في سوق السمك بالكامل، والتحكم في الأسعار، وجني أرباح خرافية، مقابل دراهم معدودات لقلة قليلة من الصيادين المواطنين!
المواطنون خارج إطار اللعبة، والمستفيد الأول والأخير هم مجموعة معدودة من هؤلاء الآسيويين، والمتضرر الأكبر هو البحر والثروة السمكية، وتالياً مهما أصدرت الجهات المعنية من قوانين تنظيمية ستظل ناقصة، لأن الهيكل العام بحاجة إلى تغيير كامل، ومهما فرضت الجهات المعنية من عقوبات وغرامات فلن تكون مجدية، فمبلغ 5000 درهم لن يمنع صيد الأنواع المجرم صيدها من الأسماك، ولن يوقف ضرر البيئة، خصوصاً أن الأرباح أعلى بكثير من هذا المبلغ، لذلك فالحلول في هذا الاتجاه ستظل ناقصة، ما لم تفكر الجهات المعنية في حلول غير تقليدية لإنقاذ هذا القطاع المهم جداً!
وأول الحلول التقليدية يجب أن يكون في تحويل فكر العمل بهذا القطاع من الفكر الحكومي إلى الفكر التجاري، مع مراعاة حقوق القلة القليلة من المواطنين، الذين يعتمدون على الصيد مصدر دخل رئيساً ووحيداً لهم ولعائلاتهم، بل وإعطاؤهم مزايا أفضل بكثير من ما يحصلون عليه الآن، والبدء بإحلال هذا النظام الجديد محل العشوائية والفوضى القائمة، وبدء خطوات فك كسر الاحتكار الآسيوي الشنيع لهذا القطاع.
فكرة تستحق الدراسة والاهتمام، وتخصيص هذا القطاع بإشراف حكومي، سيحقق كثيراً من الإيجابيات، خصوصاً أنه قطاع مربح للغاية، ومهم وحيوي، للعصر الحالي والمستقبلي، ومن الخطأ تركه إلى الآن من دون تنظيم، ومعاناة البحر هنا، لا يمكن أن نراها في أي مكان آخر، فالدول تتعامل مع الموارد الطبيعية في البحر على أنها ثروة للدولة، تحافظ عليها بشتى الطرق وبشراسة أحياناً، في حين الباب مفتوح على مصراعيه هنا لكل من يريد دخول البحر، وبإمكانه فعل ما يريد وقتما يريد!
لا توجد دولة يستطيع كل مقيم فيها شراء قارب صغير، والدخول إلى البحر ورمي شبكته عشوائياً، ونحن لا نتحدث هنا عن اليخوت والمواطنين أصحاب هواية الصيد، فهم قلة غير مؤثرة، وغير مضرة بالبيئة البحرية، لكنْ هناك من الآسيويين وغيرهم من يدخلون البحر بقوارب صغيرة، ليتركوا آثاراً مدمرة كبيرة، فمتى نستطيع إيقافهم عن هذا الفعل؟!