محمد الباهلي
قلة هم الباحثون الذين بحثوا بتعمق في جذور العلاقات الإيرانية الأميركية، والإشكاليات الخاصة بالمفاوضات الدائرة بينهما حول البرنامج النووي الإيراني، وتأثير هذه المفاوضات على المنطقة العربية. لكن خبير شؤون الشرق الأوسط ورئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي «تويتا بارزي»، أصدر كتاباً مهماً حول «إيران والمجتمع الدولي» تحدّث فيه عن القصة الكاملة للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني. وأهمية هذا الكتاب تكمن في ربطه بين الأحداث السياسية الجارية في المنطقة وعلاقتها بهذا الملف، وفي قيامه بتفكيك الكثير من رموز وشفرات السلوك السياسي لإيران، وطبيعة تمددها في المنطقة. وقد جمع «بارزي» من خلال المقابلات التي أجراها مع 70 مسؤولا رفيع المستوى من الولايات المتحدة وإيران وأوروبا وإسرائيل وتركيا والسعودية والبرازيل، عدداً هائلا من المعلومات والحقائق والوثائق التي أعطت للكتاب أهميته.
ويحاول «بارزي» كشف كثير من النقاط المهمة والأسئلة السياسية المحيرة، خاصة اللقاءات الدبلوماسية بين إيران وأميركا خلال عامي 2009 و2010. كما يتناول الصفقة الإيرانية الأميركية التي تم بموجبها تقاسم النفوذ في المنطقة، والتي نشهد اليوم تأثيراتها واضحة في سلوك البلدين في المنطقة. ثم يشرح الكتاب مضمون الوثيقة السرية التي حملها «تيم جولدمان»، السفير السويسري الذي كان يتولى المصالح الأميركية في إيران، إلى الإدارة الأميركية في واشنطن بعد بضعة أسابيع من قيام القوات الأميركية بغزو العراق عام 2003. وتضمنت هذه الوثيقة عرضاً إيرانياً بإجراء مفاوضات شاملة مع الولايات المتحدة، وعملية إعادة اصطفاف استراتيجي بين الجانبين بعد تسوية جميع الخلافات بينهما؛ أي تقاسم النفوذ والهيمنة. ووضع الإيرانيون من خلال هذه الوثيقة جميع أوراقهم على الطاولة الأميركية، وعرضوا التوقف عن دعم حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وممارسة ضغط على الحركتين لوقف هجماتهما ضد إسرائيل، ودعم نزع سلاح «حزب الله» وتحويله إلى حزب سياسي، كما وافقوا على إخضاع برنامجهم النووي للتفتيش الدقيق من أجل إزالة أي مخاوف تتعلق ببعده العسكري، وأبدوا الاستعداد لتوقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، واالسماح بمشاكة أميركية واسعة في برنامجهم النووي، وأبدوا استعدادهم للتعاون ضد جميع المنظمات الإرهابية، والتعاون مع أميركا لتشكيل حكومة غير طائفية في العراق.
وما أدهش الأميركيين أكثر من غيره في ذلك العرض الإيراني، هو تعهد طهران بدعم السلام بين العرب وإسرائيل.
ومقابل ذلك وضعت إيران شروطاً ومطالب تجعلها قادرة على تحريك مخططاتها الاستراتيجية للهيمنة والتمدد في المنطقة العربية، أهمها تسليم أعضاء منظمة «مجاهدي خلق» لقاء تسليم عناصر من تنظيم «القاعدة»، والتوصل لتفاهم مع الولايات المتحدة يشتمل على إنهاء جميع العقوبات الأميركية عليها، واحترام حق إيران في الحصول على التكنولوجيا النووية. وما أثار اهتمامي هنا أن إيران طالبت الأميركيين باحترام مصالحها الوطنية في العراق ودعم مطالبتها بالحصول على تعويضات الحرب، مما يعني وجود اتفاق مسبق بين إيران وأميركا حول العراق. والأمر ينطبق أيضاً على المطلب الآخر، وهو أن تعترف أميركا بمصالح إيران الأمنية في المنطقة، أي أن تكون لها الهيمنة على منطقة الخليج وأن تصبح شرطي المنطقة القادم!