عبدالله العوضي
تصور لو أن القادة العرب اتفقوا على عقد قمة بدون جدول أعمال رسمية وخارج الأجندة المعروفة منذ عقود، تكون أقرب إلى برنامج تلقائي للعصف الذهني، بحيث يتم تداول الحديث على أساس أن المشكلات التي كانت تطرح في الماضي والحاضر لا وجود لها ذهنياً على الأقل.
بهذه الصورة المتخلية هل يمكن البناء لمستقبل خالٍ من الصراعات أياً كان نوعها، فأصبحت فلسطين دولة مستقلة أوقفت بذلك الصراع العربي- الإسرائيلي الذي أخذ من عمر الأجيال الشيء الكثير، ومن مقدراته ما لا يحصى.
وصل التعليم بكل مكوناته الحديثة مركباً يقود قطار التنمية في كافة الدول العربية وصار الفقر حديثاً عابراً والحكم الرشيد أغنية دارجة على ألسن الجميع، وأثر على الفساد ودمره، والعدالة واقعاً جديداً تحل بها أي أزمة متوقعة والمساواة والحرية بدهية لا جدال فيها. فالشعارات التي كانت تدغدغ المشاعر المرهفة تحولت إلى برامج تنموية مستدامة يجني ثمارها جيل الحاضر وأجيال المستقبل يعوض بها خسائر السنين الماضية. فالإرهاب اندحر والإسلام المعتدل حكم بين العباد بالتسامح وقبول الآخر بكل رحابة صدر وأريحية معتبرة، فالطائفية لم يعد لها مكان من الإعراب للتفرقة بين البشر والعلاقات البينية لا يقوي عراها إلا صوت المستقبل والعمل لما هو آت بتجاوز ما فات.
إننا لا نطالب القادة في هذه القمة بناء مجتمعات عربية مثالية خالية من المشكلات، بل تداول كل المشكلات في إطار مستجدات المستقبل ولصالح الشعوب التي لا تتخلى عن قادتها إذا تحققت على أيديهم متطلبات الواقع.
إن القادة العرب في هذه الجلسة الذهنية باستطاعتهم فتح كافة الملفات الشائكة بعيداً عن أجندة الإعلام وأعين الرقباء الذين يبحثون عن نقاط الخلاف ويركزون عليها أكثر من نقاط الاتفاق التي تجمع بينهم.
وقبل عملية فتح الملفات المختلفة، يمكن فتح القلوب على بعضها بعضاً لحل أكبر المشكلات والمعضلات، في جو بعيد عن المصلحة الذاتية، فهموم الأمة العربية كبيرة إلى درجة يمكنها أن تحجم مطالب الذات الضيقة.
وفي هذا اللقاء الخاص يستطيع الكل أن يناقش كل ما يخطر على البال إذا كان الهدف هو الوصول إلى مرحلة تسوية المشكلات البينية التي تؤزم الأمور.
وفي مثل هذا العصف الذههني يمكن أن يخرج الجميع بجدول أعمال أو أجندة مختلفة عما هو متداول، ولا يمنع بعد ذلك الخروج إلى الملأ في قمة عربية أخرى للإعلان عن توصيات ومقترحات تخدم كل العرب، قوامها تبني مشاريع حيوية تحرك المياه الراكدة وتزيل الجفاء الذي تراكم منذ سنوات سواء في القلوب أو في أروقة الأدراج الرسمية.
أن يبدأ العرب فيما بينهم ببناء كل ما يخدم مستقبلهم بعيداً عن هاجس القلق من الخلافات الجانبية لأنها طبيعية لاختلاف وجهات النظر، ولكن هذا لا يعني أن قطاع العمل بشكل عام يجب أن يتوقف لأن هناك خلافاً فرعياً قد يكون أحياناً على الشكل أو الإطار وليس المضمون.
إن الذي يمر به العرب اليوم من أحداث ومتغيرات بحاجة إلى أن يجتمع القادة في أكثر من جلسة خارج الأجندات الرسمية ومن ثم العودة إلى الإطار العام للقمم العربية لإيصال رسائل مختلفة عما كان سائداً في الماضي، رسائل تجمع همّ المستقبل أكثر من همّ الماضي والحاضر، وبذلك يمكن تجاوز الكثير من المشكلات إذا كانت العيون العربية تنظر في آفاق رحبة من أجل مشاركة العالم الأكبر في البناء والارتقاء بالحياة.